الاحتلال: وقف التنسيق الأمني .. خطر يظل ماثلا

26/09/2017

رام الله - وطن للأنباء - ترجمة خاصة : لم يكن أبو مازن مازحا عندما أصدر قراره بوقف التنسيق الأمني، فقد كانت الاتصالات الاستخبارية مجمدة جزئيا. وتعرف المؤسسة الدفاعية في إسرائيل حق المعرفة بأن بقاء التنسيق شيء ثمين جدا لإسرائيل، مثل الأصول الثابتة تماما.

قبل نحو شهرين، وفي خضم الأزمة المحيطة بالمسجد الأقصى، أعلن أبو مازن عن وقف التنسيق الأمني مع إسرائيل. و"التنسيق الأمني" هو الاسم الرمزي للتعاون الذي يتم على أعلى المستويات بين قوى الأمن في السلطة الفلسطينية من ناحية، والجيش الإسرائيلي وجهاز "الشين بيت" من ناحية أخرى، في سعي لإحباط أي محاولات لتنفيذ هجمات من قبل نشطاء في حماس والجهاد الإسلامي، أو حتى من قبل نشطاء غير منظمين.

تستمر هذه الاتصالات منذ فترة طويلة، لكنها نمت وقويت في السنوات القليلة الماضية. ومن الصعب حصر أرواح الإسرائيليين والفلسطينيين الذين تم إنقاذهم اعتمادا على هذا التنسيق. وفي أغلب الأوقات، كانت إسرائيل هي التي أعطت المعلومات الاستخبارية عن خلية ما تخطط لهجوم هنا أو هناك، والفلسطينيون قاموا بدوهم بعملية الاعتقال. وهكذا، قامت إسرائيل بتوفير جهدها وبتجنب مخاطر القيام بعمليات الاعتقال، وما قد ينتج عنها من متاعب، بالإضافة إلى الأضرار التي لحقت بصورتها، وفق تعبير الكاتب. أما السلطة الفلسطينية من جانبها، فقد قامت ومن الداخل، وبكل هدوء، بالتخلص من خصومها وتعزيز سلطتها أكثر فأكثر. وبهذه الطريقة، فقد تم إلقاء القبض على المئات من القتلة المحتملين.

ولم تتوقف حماس عن مطالبتها السلطة الفلسطينية، مرارا وتكرارا، بقطع هذه العلاقات ووقف ذلك التنسيق، حيث تعتبرها خيانة. فيما واصل أبو مازن رفض طلب حماس رفضا حاسما، بل ذهب أبعد من ذلك إلى حد القول بأن التنسيق الأمني مع إسرائيل مقدس. وفي الحقيقة، فإن هذا يختلف عما كان أيام ياسر عرفات، حيث كانت معظم تلك الفترة خالية من التنسيق، ولكنها شهدت الكثير من إراقة الدماء.

وعندما يحين موعد كتابة التاريخ الاستخباري حول التنسيق بين الجانبين، فسيتم إعطاء فصل خاص لأبو مازن. حيث كان رئيس السلطة الفلسطينية أكبر شريك فلسطيني لإسرائيل في كفاحها ضد العمليات، وفق الكاتب.

ماذا بعد البيان الذي أدلى به عباس بتاريخ 21/7/2017 بخصوص وقف التنسيق الأمني؟

تكشف مصادر أمنية فلسطينية أن جهاز المخابرات العامة، الذي يترأسه ماجد فرج، قام فعلا بوقف اتصالاته مع الجيش الإسرائيلي ومع "الشين بيت". أما جهاز الأمن الوقائي، بقيادة زياد هب الريح، فما تزال اتصالاته مستمرة كالمعتاد.
فرج البالغ من العمر (55) عاما، هو الجنرال الأكثر قربا من أبو مازن. ولد فرج لعائلة لاجئة ونشأ في مخيم الدهيشة قرب بيت لحم، وكانت عائلته معروفة بقربها من الجبهة الشعبية.   وقد تمت الإشارة إلى فرج في أكثر من مناسبة بأنه سيكون أحد قادة السلطة الفلسطينية في المستقبل.

اسرائيل تعتبر التنسيق الامني ذخرا

ترى إسرائيل أن التعاون مع السلطة الفلسطينية بمثابة "ذخر  وطني" بالنسبة لها. ولهذا، فهي ترى أن وقف التعاون يعتبر أمرا خطيرا، يمكن أن يشكل بداية لتدهور أكبر. وفي العادة لا يطلق كبار المسؤولين الإسرائيليين أي تصريحات إعلامية بخصوص نتائج وقف التنسيق الأمني، بل يتواصلون بهدوء مع أبو مازن على أمل أن يعيد النظر بقراره.

وقد ظهرت في الأشهر الأخيرة عدة مؤشرات على حدوث تغير في النمط اليومي لعمل أبي مازن. وتشير التقارير الواردة من المقاطعة إلى أن الرئيس الفلسطيني كثيرا ما يثير الجدل والضجة والاحتكاكات في النقاشات الداخلية، وكثيرا ما يقوم بإسكات من حوله، ومواجهتهم بطريقة فظة. ليست إسرائيل هي وحدها التي تشعر بموجات العصبية هذه من قبل أبو مازن، بل أيضا حماس في غزة، التي وجه لها أبو مازن ضربات مؤلمة في الأشهر الأخيرة. كما أن فريق السلام الأمريكي قد عانى من مزاجه وغضبه أيضا أكثر من مرة. إن أي شخص على معرفة بأبي مازن يعلم أن الشخص لم يكن لديه أمزجة من هذا القبيل سابقا، وبالتالي فإن ما يتوارد من معلومات حول عاداته الجديدة تثير القلق من أن السن قد بدأت تأخذ من الرجل مأخذها. يبلغ أبو مازن من العمر (82) عاما، ويدخن كثيرا، وقد عانى من تدهور في حالته الصحية مؤخرا، وهذا ما دعا طبيبه إلى البقاء إلى جانبه معظم الوقت.

تخيل أن صحته ستتدهور أكثر خلال العام المقبل. وبالتالي، ربما يجد صعوبة في السيطرة على أتباعه، أو تفويض صلاحياته لأحد منهم. وعلى إثر ذلك، في مرحلة ما بعد عباس، قد تجد إسرائيل نفسها تتعامل مع حاكم فلسطيني جديد وغير مضمون، وقد يشمل ذلك خفض العلاقات الاستخبارية. أخذا بعين الاعتبار حساسية وطبيعة التنسيق مع رام الله، فإن ظرف مستقبلي محتمل من هذا النوع يعتبر بمثابة وصفة سحرية للمزيد من المتاعب.

تقوم قيادة حماس بزيارة هامة إلى القاهرة في الوقت الذي يتم فيه كتابة هذه السطور. وقد غادر إسماعيل هنية، خليفة خالد مشعل في رئاسة المكتب السياسي لحماس، والوفد المرافق له للمرة الأولى منذ توليه مهام منصبه، من أجل عقد سلسلة مباحثات مع قادة المخابرات المصرية. ومن هناك سوف تتواصل زيارته لتشمل تركيا وقطر. وبينما نقوم نحن جميعا، صحفيون ومراقبون بتغطية هذه الرحلة، فإننا في ذات الوقت نلقي الضوء على جهود حماس لابتزاز المصريين من أجل فتح معبر رفح. ومن شأن مثل هذا التحرك أن يمنح سكان غزة بوابة للخروج إلى العالم من جديد، وفك الحصار، وإن كان ذلك بشكل جزئي.

وبالنسبة إلى سكان قطاع غزة على وجه التحديد، فستكون هذه خطوة دراماتيكية. أما بالنسبة الى إسرائيل، فقد بدأت تشعر ببعض القلق. أما بخصوص مصر، فتبدو وكأنها تعود إلى التطبيع مع جيرانها.

قلة من الناس تعرف السبب الحقيقي وراء امتناع مصر عن فتح معبر رفح. فالسبب لا يرجع إلى إسرائيل، ولا إلى حماس، ولا إلى "داعش". لا شك بأن السبب هو سبب مالي كبير، ويرجع إلى نزاع حيوي بين أقطاب القوة في القيادة المصرية حول من يملك امتياز فتح وإغلاق المعبر.

يجني أولئك الذين يسيطرون على المنطقة أرباحا كبيرة نتيجة الضريبية التي تفرضها المعابر على المسافرين. صحيح أن الخزينة المصرية هي المستفيد الرسمي الأول من جني الضرائب، ولكن المستفيدين الفعليين من ملايين الدولارات التي تجنى شهريا هي الأجهزة الأمنية، التي تعمل كمؤسسة اقتصادية. وفي الحقيقة، يتنازع اثنان من أجهزة الأمن المصرية فيما بينهما من أجل السيطرة على معبر رفح. أحد الأجهزة يتحمل هذه المهمة تقليديا منذ زمن، بينما الآخر أصبح على دراية بمدى الأرباح الممكنة، ونجح في الحصول على بعض منها. وبالتالي، ففي اليوم الذي تقرر فيه القاهرة كيفية تقسيم الأرباح بين أجهزتها، سيتمكن سكان غزة من التنقل الحر عبر معبر رفح.

لقد كان المشهد السياسي هذا الأسبوع منشغلا بتخمين شخصية المسؤول الكبير من إحدى الدول الخليجية الذي أشيع أنه قام بزيارة إلى إسرائيل. وقد بدأت هذه القصة عندما قام صحفيون إسرائيليون بنشر أخبار، وإن كانت أخبارا مترددة بعض الشيء، عن زيارات من هذا القبيل، دون معرفة هوية المسؤول الزائر.

ثم تابع الإعلام انشغاله، من خلال تناول التصريحات التي أدلى به وزير الاتصالات الإسرائيلي، أيوب قرة، لوكالة أنباء "بلومبيرغ" الأميركية، أن مسؤولا من إحدى الدول الخليجية قد زار إسرائيل فعلا، وأنه (أي أيوب قرة) التقى به شخصيا خلال الزيارة.

وفي هذا السياق، قال قرة: "من الصعب تخيل من هو الزائر الخليجي الذي وصل إلى إسرائيل، علما أنه مسؤول كبير من دولة الإمارات العربية المتحدة، ويقدم نفسه على أنه ضابط أمن".

غير أن بعض "التغريدات" تطرقت إلى الموضوع عبر موقع تويتر، زاعمة أن ضيف الشرف ليس إلا الأمير محمد بن سلمان، ابن الملك السعودي، وأقوى رجل في المملكة.

يتراوح ما سبق بين الحقائق والتوقعات.

أما الاستنتاجات، فتقول: يمتلك أيوب قرة ميزة إضافية عن باقي وزراء الحكومة. فلغته الأم هي العربية، وهو يعرف العالم العربي أكثر من جميع زملائه في مجلس الوزراء. جميع ذلك يؤشر على أنه ربما قد اشترك باجتماع كهذا.
ومع ذلك، فإن فرصة لقاء وزير ذو رتبة عادية في الحكومة، مثل قرة، بمسؤول خليجي بهذه الأهمية، تبقى غير مرجحة.

وهذا يعني أنه يجب تعلم الدرس وعدم استقاء المعلومات من تويتر بهذه السهولة.

في هذا المجال، يعتبر المسؤولون العرب في إسرائيل منضبطون جدا، ولا يسربون شيئا إلى الصحافة، ولا إلى وزراء اخرين. وفي حال كشف مسؤول حكومي للصحفيين عن وصول شخصية عربية إلى إسرائيل، فإن هناك أحد احتمالين فقط: إما أن يكون الشخص بلا صفة رسمية، وإما ألا يكون مسؤولا كبيرا أصلا.

 معاريف/ ترجمة: ناصر العيسة