بفضل الأمريكيين.. نتنياهو الرابح الأكبر من مشروع ترامب "للتسوية"

07/02/2018

ترجمة خاصة- وطن للأنباء: يتناغم الرئيس الأمريكي، دونالد ترمب، ورئيس وزراء الاحتلال، بنيامين نتنياهو، في مواقفهما الحقيقية ومواقفهما التكتيكية، إزاء كل قضايا المنطقة. حتى لاحظ المراقبون ان الرجلين يتناغمان في المواقف التي يسعيان الى اخفائها، بما في ذلك اخفاؤها عن بعضها البعض. ولا حظوا أيضا ان لدى نتنياهو نوايا للخروج من عملية السلام، وانه يسعى جاهدا الى اقناع ترمب بأن يعلن علنا عن نهاية حل الدولتين، كفكرة وعملية.

وعلى الرغم من العلاقات القوية التي تربط إسرائيل بالولايات المتحدة حاليا، والاعتقاد السائد بأن التقارب في وجهات النظر بين نتنياهو وترمب، هو تقارب غير مسبوق، وخصوصا فيما يتعلق بالشرق الأوسط، فان ترمب استبق الاحداث من خلال اتخاذ سلسلة من الإجراءات التي تجعل إسرائيل تتغنى بها، وبه (أي ترمب) وبالولايات المتحدة، وبشعبها.

وبغض النظر ان كان نتنياهو قادرا على بيع أفكاره السياسية للجمهور الإسرائيلي، بكل تفصيلاتها. وسواء تقبلها الجمهور الإسرائيلي ام لم يتقبلها، وسواء تقبلها المجتمع الدولي ام لم يتقبلها، فان التكتيكات التي يستخدمها نتنياهو تهدف في النهاية الى قلب الطاولة باتجاه الناحية التي يريدها، بحيث يخرج المشهد النهائي بثلاث صور: ان يتمكن نتنياهو من الانتصار، وان يصبح ترمب حانق وحاقد على الفلسطينيين دائما، وان يتم حشر الرئيس الفلسطيني في الزاوية ومن ثم هزيمته.

عندما دخل ترامب البيت الأبيض لأول مرة، لم يكن من الممكن توقع ماهية الطريق التي سيسلكها مع إسرائيل بالضبط، ولا طبيعة النهج الذي سيتصرف به حيالها. حيث ان طبيعته المتقلبة جعلت من المستحيل التنبؤ النهائي والحاسم بما ستكون عليه خطوته التالية تجاه إسرائيل، وتجاه غيرها. فقد خشي الإسرائيليون ان يدخل ترمب مع الفلسطينيين في تفاهمات مبكرة، بما يؤثر على سرعة العمل الأمريكي-الإسرائيلي. خصوصا ان الإدارة الامريكية لديها تقدير مسبق للسلوك السياسي لنتنياهو، وعناده مع الإدارات السابقة في أكثر من حالة. فالسلوك الذي يسميه الإسرائيليون براعة سياسية، هو بالنسبة الى الإدارة الامريكية، والادارة السابقة، لا يعدو كونه مماطلات اعتاد نتنياهو على القيام بها.

ومن وجهة النظر الامريكية، قام ترمب بعمل ما هو أكثر من اللازم مع إسرائيل، وبشكل مسبق. ولهذا فترمب يتوقع انه سينجح بإقناع نتنياهو بسهولة عند قدوم لحظة الوصول الى اتفاق مع الفلسطينيين.

وقد نجح ترمب في الحصول على ثناء كبير من نتنياهو على الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل. وبكل المقاصد والمقاييس والأهداف، يعتبر نتنياهو الرابح الأكبر سواء تم التوصل الى اتفاق مع الفلسطينيين ام لم يتم. فهو بنظر الإسرائيليين كان اعلانا جوهريا ورمزيا في ان معا، وهو بنظرهم خطوة في الاتجاه الصحيح، وبكل المقاييس.

من الملاحظ ان ترمب لم يشر في إعلانه إلى القدس الشرقية. وقد اتضح من تصريحات المسؤولين الأمريكيين بأن قضايا الوضع النهائي، والحدود الدقيقة للقدس، لم تحدد بشكل نهائي. وعلى الرغم من تصريحات ترمب في دافوس بأنه "أزال موضوع القدس عن الطاولة"، الا انه يعلم تماما أن القدس ما تزال على الطاولة، وان من الصعب ازالتها.

وعندما تلقى سؤالا في دافوس عما إذا كانت القدس الشرقية يمكن ان تكون عاصمة للدولة الفلسطينية، تجاهل ترمب السؤال ولم يجب. وردا على سؤال آخر حول "ان كانت اسرائيل ستدفع ثمن تلك الجائزة الامريكية (الاعتراف بالقدس عاصمة)". أجاب ترمب: "إسرائيل تقوم بعمل المطلوب منها، والإسرائيليون يريدون السلام، وآمل أن يكون الفلسطينيون على استعداد للسلام أيضا".

ومع اقدام نتنياهو على استدراج ترمب للولوج الى الالتزامات الأمنية، اندفع ترمب في تصريحات ذات طابع أمني مؤيدة لإسرائيل. ورغم ان إعلانه لا يغير الا حقيقة واحدة على الأرض، وهي نقل السفارة الأمريكية الى القدس، الا انها ذات وزن كبير جدا، اثبتت ان ولاءه لإسرائيل غير محدود. وبالتالي فالأمريكيون يرون انه سيحسن دورهم للحصول على تنازلات من إسرائيل عند الحاجة الى ذلك.

ولتحقيق خرق، وانجاز تحرك في عملية السلام، ينبغي على الأمريكيين ان يتحولوا بتركيزهم إلى رام الله، وان يحاولوا اجبار عباس على العودة الى طاولة المفاوضات، دون أن يؤكدوا له علنا بأنهم سيضغطون على نتنياهو. وبالمقابل، لن يقبل عباس اية تأكيدات سرية للعودة الى المفاوضات، فهو لم يعد يؤمن بالأسرار. ولهذا، فان على الأمريكيين امام هذا الوضع المتناقض، العثور على حل ابداعي للخروج من عنق الزجاجة.

ويضيف الكاتب، ان الإصرار الفلسطيني ليس إصرارا محقا، بل انه "فن تفويت الفرص"، وان الرئيس الفلسطيني "لا تفوته اية فرصة لتفويت الفرص"، مثلما يفعل جميع القادة الفلسطينيين، وفق الكاتب. عدا عن ذلك، قد يأتي الوقت الذي يوشك فيه الرئيس الفلسطيني على التصادم دول عربية اخري لا تعجبه مواقفها. وبالمقابل، يرى الرئيس الفلسطيني ان العودة إلى طاولة المفاوضات في هذه المرحلة ستكون غير حكيمة، لأنها سوف تفسر على أنها استسلام لإسرائيل والولايات المتحدة، وأنها خطوة نحو الانتحار السياسي.

ولذلك، فإن ترامب، في محاولة منه لطرح "الصفقة النهائية"، وإجبار عباس على الجلوس والتفاوض، سيعمد الى المزيد من الاجراءات لحشر عباس في الزاوية. وهو في هذه المرحلة يمارس الضغوط على عباس كاستراتيجية عمل دائمة منذ اعلانه حول القدس. كما انه سيسعى، فضلا عن ذلك، الى ممارسة شتى الضغوط على كل من يدعم الفلسطينيين أيضا، او حتى يفكر بدعمهم. فهو يستغل كل فرصة، كما كان في حملته الانتخابية، لانتقاد ادارة أوباما لعدم خروجها من الاتفاق النووي الإيراني. ولو كان ترمب هو من وقع الاتفاق النووي مع إيران، فمن المؤكد انه سيكون الان أكبر النادمين على هذا التوقيع.

ومع كل كلمة لعباس، يتبعه ترمب بالمزيد من التهديدات والضغوطات. التي قال فيها ذات مرة ان "رفض" عباس سوف يؤدي في نهاية المطاف الى ترحيله من عملية السلام برمتها. وفعلا بدا ترمب بتنفيذ تهديداته، حيث قرر حجب التمويل بملايين الدولارات عن بعض المنظمات التي تقدم المساعدات للفلسطينيين.

وحيث يضع ترمب كل هذه الضغوط على كاهل الفلسطينيين، فانه يعطي نتنياهو موقع الأفضلية في الصدارة السياسية ضد الفلسطينيين، ويحقق له المزيد من الضغوط عليهم لدفعهم الى طاولة المفاوضات. ولان نتنياهو يفهم شخصية ترمب عن قرب، ويعرف عباس، ويفهم المناخ السياسي الفلسطيني منذ سنوات طويلة، فان هذا يمنحه زمام المبادرة، التي تؤهله ليكون المنتصر المتوقع، وفق الكاتب.

ان نتنياهو ليس مستجدا في السياسة، فهو يدرك تماما ان ترمب لم يذكر القدس الشرقية في إعلانه في شهر كانون الأول. وهو يقدر بالتالي ان القدس، في عيون ترمب، ما تزال على الطاولة. ربما تكون ورقة متأخرة ابقاها الامريكيون بيدهم، ولكن مهما تكن الحسابات والموازين، يبقى نتنياهو في موقع الأفضلية مرة أخرى بفضل الضغط الأمريكي، وفق الكاتب.

وعند ذكر حل الدولتين، فانه بالنسبة لنتنياهو، عبارة عن مقامرة. فهو يعلم ان عباس ربما يصور له نفسه على انه حمامة سلام، ثم ينقلب على كل شيء لاحقا.

وعندما يقع عباس في الفخ الذي سببه لنفسه من خلال تعنته، سيتمكن نتنياهو من استغلال هذا الموقف بسهولة. فقد نجح حتى الان في تحويل انتباه ترمب من العمل السياسي، والحديث عن تحقيق الصفقة النهائية، إلى الإهانات وقلة الاحترام التي أبداها عباس تجاه ترمب مؤخرا، وفق الكاتب. وبالتالي، فان الرئيس الفلسطيني هو الخاسر النهائي في النزال السياسي، ونتنياهو هو الرابح فيه، على حد زعم الكاتب.

يحاول الرئيس الفلسطيني استرضاء الشارع العربي، وتصوير نفسه كزعيم قادر على مقاومة الضغط الصهيوني-الأمريكي. وعلى الجانب الاخر، يجلس نتنياهو بهدوء، ويراقب الأمور بسعادة، ويشعر بالفرح عندما يشاهد ترمب يزداد إحباطا وإهانة من قبل عباس. فهو إذا يحب هذه القطيعة بين الفلسطينيين والامريكيين، وقد يستغل هذا الوقت لعمل انقلاب ضد فكرة حل الدولتين برمتها. وسيسعى الى ان تتخلى الإدارة الأمريكية عن هذه الفكرة ايضا، على الرغم من أنها ليست في موقف يسمح لها بالتخلي عن ذلك علنا.

وفي النهاية، من المتوقع ان يقوم رجل الأعمال السابق، دونالد ترمب، بإصدار شيك مفتوح لإسرائيل للتوسع كيفما شاءت. ويعتقد الكثير من المراقبين أن نتنياهو لم يرد يوما حل الدولتين. وسيسعى بكل قوته خلال الفترة الحالية الى الغاء مصطلح "حل الدولتين" من الخطاب السياسي برمته، وفق الكاتب.

ترجمة: ناصر العيسة، عن: موقع "واي نت" بالإنجليزية