خالد بطراوي يكتب لـوطن: رفيقي طبيب الأسنان

26/02/2018

معقبا على خبر مفاده أن " فريقا من العلماء الاسرائيليين قد أنهوا محاكاة استغرقت أربعة أيام للحياة على كوكب المريخ" كتب رفيقي طبيب الأسنان الدكتورغسان طوباسي على صفحته الفيس بوكية قائلا " لن ننتصر عليهم الا اذا تبنينا الديمقراطية والحرية والعدالة والمساواة ومدنية الدولة ونحينا الأسطورة جانبا".

عبارة مكثفة جدا حركت هلوساتي اذ لا يعنيني مطلقا أن كان المحتل يريد مستقبلا "الهريبة" الى المريخ لاننا كما قال شاعرنا الفلسطيني الراحل الرفيق توفيق زياد " هنا على صدوركم باقون" وأذا كانوا يحاولون محاكاة العيش على كوكب المريخ فنحن لم نحاك مطلقا العيش بدون اوكسجين بل عشنا فعلا من دون أوكسجين تحت نير احتلالهم وغطرستهم وصهينتهم.

هلوستي تتعلق بالعبارة التي ذكرها طبيب الأسنان التي يلخص فيها عناوين مقومات الانتصار على هذا الاحتلال الاستعماري التوسعي بجعل الديمقراطية نهجا متأصلا في مجتمعنا الفلسطيني ولا يمكن أن نلقي باللائمة على " شماعة الاحتلال" بأننا -على امتداد سنوات بسط السيادة الوطنية الفلسطينية- لم نكرس الديمقراطية نهجا، حيث رصدت مؤسسات حقوق الانسان وبضمنها الهيئة الفلسطينية المستقلة لحقوق المواطن التي هي هيئة رسمية تشكل " ديوان المظالم" كما هائلا من مساس السلطة التنفيذية بأساسيات الديمقراطية ودعائمها على نحو عدنا فيه الى مقولة " لا تحكي .. الحيطان لها أذنان"، كما ولم تتأصل الديمقراطية في دواخلنا ولم ننقلها نهجا الى الأجيال الشابة، فنحن أبعد ما نكون على احترام الرأي والرأي الآخر ونحن أكثر المتشدقين بمقولة " خلاف المرء .. لا ينف للود قضية " ولكننا فعلا نحقد وحتى نمكر لمن يخالفنا الراي، والحبل على الجرار كما يقولون لو سردنا هذا الكم الهائل من تجليات ( عجبتني تجليات هذه .. كيف طلعت معي ما بعرف) الابتعاد عن الديمقراطية.

أما المكون الثاني الذي رسمه طبيب الاسنان في مقولته الموضحة لمقومات التحرر فهي الحرية، وقد يظن البعض أن المقصود الحرية الشخصية (أن أفعل ما أشاء) ويتنطح البعض ردا على ذلك بالمقولة الشهيرة " تنتهي حريتك عندما تبدأ حرية الآخرين" ، لكنني على قناعة بأن طبيب الاسنان لم " يلق هذه الكلمة جزافا" ( عجبتني جزافا هاي) بل يقصد بالحرية .. تحرير الفكر وإعمال العقل والعلم والايمان بأهمية التعلم المستمر وتراكم الانجازات العلمية على كافة الأصعدة وتحقيق وجودنا عملا بمقولة " أنا أفكر ... اذا أنا موجود". وتشمل الحرية حرية المعتقدات واتساع فضاء الانسان وذائقته الانسانية.

ثم ينتقل رفيقي طبيب الأسنان الى العدالة، والتي تشمل فيما تشمله العدالة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية وغيرها وما يرتبط بها من المساواة في تكافؤ الفرص وتوزيع الثروات،

والمساواة بين الذكر والانثى، والمساواة أمام القانون والابتعاد عن المثل الشائع " موت الغني وتعريص الفقير" حيث نهتم فقط ونثير الضجة والحديث عند موت الأغنياء وجنازاتهم "المهيبة" وعندما يرتكب الفقير " الفاحشة" ( عجبتني أيضا الفاحشة هذه) نأخذه فورا الى منصة الاعدام (المقصلة) ونتحدث عن اعدامه.

أما المكون التالي بمكونات التحرر كما ذكره الدكتور غسان طوباسي المتعلق بالمساواة، فهو يتعلق بالمساواة في الحقوق والواجبات، وتكافؤ الفرص فالناس " سواسية كأسنان المشط" وسجلنا ، ما شاء الله عليه، مليء بالأمثلة التي تؤكد الابتعاد عن المساواة نهجا في مجتمعنا، حيث نجد ابن المسؤول اللي " يا دوب نجح في الثانوية العامة وعلاماته الجامعية متدنية" وقد تبوأ ( عجبتني تبوأ هاي) مركزا ومنصبا حساسا ربما في سلك القضاء أو السلك الدبلوماسي أو غيرها المسالك التي لا تحتاج الى طبيب نطاسي بارع ( عجبتني نطاسي هاي) لتشخيصها و/او تسليكها.

أما المكون قبل الأخير في تصريح طبيب الأسنان الخطير حول مقومات التحرر فهو ذلك المتعلق بمدنية الدولة بعيدا عن " العسكرتاريا" أي عسكرة الدولة وتعديات السلطة التنفيذية على السلطة القضائية والسلطة التشريعية واطاحتها على الأرض بالضربة القاضية بالسلطة الرابعة وهي السلطة الاعلامية. وأتذكر هنا مقطعا شعريا للمبدع ابراهيم نصرالله يقول فيه:-

أيها النائم

ما دام الشرطي ساهرا

تحت شباكك

فان كل ما تدخره من أحلام

سيمضي معك الى مكان واحد

هو القبر

ولا يخفى على أحد مدى الصدمة التي خلفتها تصريحات سعادة القاضي عبد الله غزلان مؤخرا عن حال القضاء والمس باستقلاليته والحط من مكانة سيادة القانون.

ويقسم ظهري طبيب الأسنان في قوله أن احد مقومات الانتصار على الاحتلال هو أن ننحي الأسطورة جانبا ... فنحن ما زلنا نعيش فعلا على الأسطورة والمأثرة الفردية، في زمن أصبح فيه الفعل الجماعي هو الأكثر تأثيرا.

ما زلنا أيها الأحبة نتغنى بالمتنبي ونصدق أن بيت الشعر الذي قال فيه " الخيلُ والليلُ والبيـداءُ تعرفنـي ... والسيفُ والرمحُ والقرطاسُ والقلمُ" كان السبب في مقتله عندها باغته لصوص (حلوة باغته هاي) في الصحراء وحاول الهرب، فقال له أحدهم " كيف تهرب وأنت من قال بيت الشعر هذا" فعاد اليهم ليقاتل وقال " قتلتني يا هذا" وقاتل حتى قتل .. عجبتنا فعلا للاسطورة .. علما بأنه كان قد حاول الهرب "

فالهريبة ثلثين المراجل" ، طربنا لها ، وكرسناها وكرسنا مثيلاتها فكرا ونهجا أضر بنا كثيرا كثيرا والحق بقضيتنا وبقضايا العالم العربي الكثير من النكسات والهزائم وغرقنا في " تصفية الذات"و " الاغتيالات السياسية".

وقد اعجبتني الشاعرة الفلسطينية منال النجوم التي وصفت بدقة موقف زوجة الأسطورة رمز الكرم والجود حاتم الطائي، في أعقاب ذبحه لفرسه عندما حضر لمنزله الضيوف حيث لم يكن في المنزل سوى هذا الفرس، فقد قالت الشاعرة منال النجوم أن زوجته قد هربت صباح اليوم التالي ، حيث لم يبق ( بما معناه) في المنزل سواها، فان حضر ضيوف فجأة فقد يذبحها .. وهنا تجرأت الشاعرة منال النجوم وانتفضت على الأسطورة بالقول

حاتم الطائي

زاره ضيوف

في المساء

لم يجد ما يطعمهم

فذبح فرسه

في الصباح

هربت زوجته

قبل موعد الافطار

وأمعنت الشاعرة منال النجوم ابن قرية العوجا في تحطيمها للاسطورة فيما يتعلق بمقولة طارق من زياد الشهيرة " أين المفر .. البحر من وراءكم والعدو من امامكم" بالقول

طارق بن زياد

سمع طفلا يردد

ويقول

أين المفر

البحر من وراءكم

والعدو من أمامكم

سأل .. من قال هذا ؟

قالوا .. أنت

فنظر الى وجهه

في المرآة

وجد .. أنه لا يزال بربريا

لا يتقن اللغة العربية

وبعد هذا وكله تمردت الشاعرة منال النجوم على الحجاج ابن يوسف الثقفي صاحب مقولة " يا أهل العراق .. يا أهل الشقاق والنفاق .. ومساوىء الاخلاق ... واني لأرى رؤوسا قد اينعت وحان قطافها واني لأنظر الى الدماء بين العمائم واللحى.. " فكتبت محطمة مقولته الاسطورية بالقول

خرج الحجاج ليلا

مع سيافه

ليتفقد الرعية

قابله شبان ثلاث

كسروا السيف

وبالوا على عمامة الحجاج

... عند الظهيرة

خطب الحجاج في الناس

انا ابن جلا وطلاع الثنايا

متى أضع العمامة تعرفوني

دكتور غسان طوباسي .. تبا لك ... ترمي جملة مكثفة جدا، لأغرق في هلوستي وأسعى أنا غير المتقن للسباحة الى التمسك بقشة لآطفو .. بعيدا عن " القشة التي قسمت ظهر البعير".