عقدة الربيع العربي

23/03/2018

كتب حمدي فراج: أرجعت عدم رغبتي في الاستحمام الى حقبة الاعتقالات منذ اواخر سبعينيات القرن الماضي ، حيث كان الحرمان من الاستحمام الذي يستمر احيانا عدة اسابيع جزءا من التحقيق والتعذيب ، كنت تجد نفسك في حالة مريعة ورائحة كريهة ، هي رائحتك انت ، خاصة انك بعد قضاء حاجتك لا تجد اي وسيلة للتنظيف ، وفي بعض الحالات التي تكون مشبوحا فيها مربوطا ، وتطلب التبويل ، يقول لك المحقق : بوّل ، هل هناك من يمنعك ؟ فتبول على نفسك .

   أجمع كثيرون من علماء النفس ان الانسان يستطيع ان يحلل نفسه ، إذا ما وجد شجاعة سبر غوره ومواجهة هذه النفس في طفولتها حول اكثر القضايا ايلاما وتعقيدا ومحاولات الهروب المتعددة من مواجهتها ، وهذا بالضبط ما يفعله اطباء النفس الذين يذهب اليهم المرضى النفسيين في العوالم المتحضرة او المتمدنة .

  ولكن للحذر هنا متطلبان ، يتمثل الاول في تخريج تبرير لمواجهة العقدة ، كأن اقول في عقدتي ، انني استبدل الاستحمام بالدش او الشوار ، استحمام سريع لا يتطلب الليفة والصابون ، والثاني في عدم بحثك ابعد مما سولت لك نفسك وخرّج لك عقلك الباطني من ان العقدة تبدأ من هنا لا من هناك ، و"هناك" بالنسبة لي تمتد الى اواخر خمسينات القرن لا سبعينياته ، عندما كانت امي تضعنا ثلاثة في طشت واحد ، كنا نسميه "اللجن" مصنوع من مادة الحديد ، حيث لم يكن البلاستيك قد شاع بعد ، كي توفر بعض الماء وبعض الوقت وبعض الدفء حين يكون الطقس شتاء في خيمة لا يمكن ولا بأي حال تدفئتها ، فإذا كانت المياه ساخنة اكثر من اللازم يصعب تبردتها ، والعكس صحيح ايضا ، فماذا عندما تكون اصغر الثلاثة في مثل ذاك المشهد الذي ظل يطاردني حتى اليوم .

    في مثل هذه الايام يحل علينا فصل الربيع ، الاجمل من بين كل فصول السنة ، لكنه منذ سبع سنوات ، اصبح له مسمعا آخر ، خاصة حين نضيف اليه كلمة "عربي" ، ليثير في نفوسنا ألما وحنقا وغضبا وحسرة ، من انه مزقنا اكثر مما كنا ممزقين ، وانه تقريبا أجهز على كل امنياتنا وتطلعاتنا بالحرية والاستقلال والنماء ، واصبحت الديمقراطية ترفا كماليا لا يجب ان نتطلع اليه ، كل ما نريده ان يتوقف هذا الاحتراب وهذا النزيف ، بل ان البعض منا اصبح جل ما يبتغيه ان تعود الامور الى ما كانت عليه قبل هذا الربيع العربي ، حيث تسمع تونسيين يمتدحوا زين العابدين وليبيين معمر القذافي ومصريين حسني مبارك ... الخ .

   لا يمنع كل هذا ان يظل الربيع جميلا ، ولا يمنع جماهير هذه الامة وطلائعها من مواجهة عقدتها والتطلع الى ربيع عربي حقيقي .