"ليلة الكريستال" !

16/04/2018

كتبت: ثريا عاصي

تعرضت سوريا في فجر 14 نيسان الجاري لعدوان ثلاثي مختلف عن الشكل الذي يتخذه هذا العدوان المستمر منذ  شهر آذار 2011.  أعتقد أن مرحلة عملية «الإرهاب الإسلامي» انتهت بالفشل. للتذكير فقط أعقبت هذه العملية مرحلة سبقتها تميزت «بالأيقونات» الثورية، وبالنظريات السياسية والفلسفية حول الإنتقال من «الديكتاتورية» إلى الديمقراطية - الليبرالية مروراً بمشيخة قطر ومنها إلى الرياض، عاصمة السعوديين، ثم إلى اسطنبول، عاصمة العثمانيين الجدد، ثم إلى باريس ولندن والخارجية الأميركية وإنتظار ساعة الصفر هناك!

طبعاً لن أتوقف عند السردية العسكرية حول الهجوم الثلاثي، الأميركي الفرنسي البريطاني، الذي قاده الرئيس الأميركي ترامب بالرغم من  أن الصورة الإعلامية، التي تصلنا عنه من الولايات المتحدة نفسها ومن الدول الأوروبية  أيضاً ليست جيدة، فأقل ما يقال فيه أن الرجل مثير للجدل. كأن الإمبريالية الأميركية - الأوروبية تستعد لتكرار سيناريو الفاجعة العراقية تحت قيادة مماثلة لتلك التي توكلت بتدمير العراق بواسطة الثلاثي الرئيس بوش الابن والرئيس البريطاني توني بلير والرئيس الإسباني جوزي ماريا أزنار.
إذاً إشتملت حملة الرئيس الأميركي «غريب الأطوار» على سورية على إطلاق أزيد من مائة صاروخ، من الطائرات الحربية ومن البوارج  الغربية المنتشرة في البحرين المتوسط والأحمر وإقتصرت مدتها على خمسين دقيقة، أي بمعدل أكثر من صاروخين في الدقيقة الواحدة.

لا أعتقد اني لا أبالغ في القول أن فرسان الإمبريالية الغربية الثلاثة جعلوا السوريين وجيرانهم في البلدان المجاورة، يعيشون  تجربة عاشها قبلهم العراقيون والليبيون، التي  أجد ان النعت الملائم لها هو«ليلة الكريستال». وما أقصده بهذا هو أن ما إقترفته السلطة الإلمانية تحت قيادة هتلر وحزبه النازي من جرائم ضد الإنسانية من المحتمل جداً يتكرر في هذا الزمان على يد  الإمبريالية الغربية التي تدعي أحقية بسط نفوذها على العالم دون وازع إنساني أخلاقي. صدق شاعر المارتنيك إيميه سيزير الذي قال في «خطب عن الإستعمار»: كل «انساني» إنسانياً جداً، مسيحي مسيحياً جداً برجوازياً، يحمل في ذاته دون أن يدري هتلر». أما خطيئة هتلر المميتة فهي في نظر «الرجل الأبيض» في أنه ساوى بين هذا الأخير وبين «عرب الجزائر وعامة الهند وزنوج أفريقيا».

مهما يكن، ما لفت إنتباهي في الواقع، من خلال متابعة الأصداء التي أثارها العدوان الثلاثي «أثناء عطلة نهاية الأسبوع»، ربما  ليكون نسياً منسياً في يوم الإثنين المقبل، هو تعليق منسوب إلى باحث أكاديمي إسرائيلي أعرب فيه عن دهشته «من استخدام الرئيس الأسد للكيماوي، رغم استمراره في الإنتصار». أفهم من هذا الكلام، إذا صحت نسبته طبعاً، أنه  دليل قاطع  على أن  الإسرائيليين  والفرسان الغربيين الثلاثة، على يقين من أن الجيش السوري لم يستخدم السلاح الكيماوي على الإطلاق.

والغريب في هذه المهزلة، أن هيئة التحقيق  في موضوع الكيماوي، أخرت موعد وصولها إلى دمشق يوماً كاملاً، إلى ما بعد العدوان الذي ادعى الذين قاموا به أنهم «يمتلكون أدلة دامغة» على أن الحكومة السورية استخدمت السلاح الكيماوي، إذاً لماذا التحقيق، بما أن دول العدوان الثلاثي ليست بحاجة إلى نتائجه ؟ وكم من الوقت سوف يستمر هذا التحقيق، وهل سوف يقتصر على الغوطة الشرقية فقط ؟ وما هي الضمانات من عدم توسيع حقل التفتيش إلى الوزرات طلباً لمراجعة ملفاتها، وما أدراك فقد يأتي دور القصور  أيضاً. فالحوار بين الذئب وبين الحمل لا يتوقف إلا بافتراس الأخير!.

ولكن إذا كان ما تقدم صحيحاً نهض السؤال عن الغاية من العنتريات العسكرية الغربية في سورية تحت نوافذ مقرات الروس، الحلفاء الرئيسيون لسورية في التصدي للعدوان المستمر منذ ثمان سنوات ؟ من المعروف بهذا الصدد أن سورية مرتبطة مع روسيا  بإتفاقية دفاع مشترك، وبالتالي يبدو في ظاهر الأمر، أن العدوان الثلاثي هو إقتصاص من سورية واستخفاف وتحدي لروسيا ولما تمثله، إذ يجب ألا يغيب عن البال أن الروس والسوريين يقاتلون معاً في سورية، وقاتلوا معاً في الغوطة. أنا لا أعتقد أن روسيا تسمح بهذا كله أو انها ستغض النظر طويلاً عما حدث، والادلة على ذلك نجدها من خلال الأزمتين الجيورجية والأوكرانية، حيث كان رد الفعل الروسي في الحالتين عنيفاً وحاسماً.

إستناداً إليه يمكننا أن نفهم هذا العدوان  الثلاثي، المحدود وعديم التأثير على مجرى العمليات العسكرية، بما هو إستعراض قوى وحفاظ على ماء الوجه أمام تلاشي المشروع الإمبريالي الغربي في سورية. أما  إذا كان القصد من هذا العدوان الثلاثي عكس ذلك، أي التمهيد لهجوم مضاد بعد سقوط الغوطة،  دخلت المنطقة دوامة خطيرة من العنف، من المحتمل أن تؤدي إلى أوضاع  تشبه جيورجيا أو أوكرانيا. بالإذن طبعاً من الثوار والديمقراطيين والمفكرين الثوريين والإيقونات الثورية!.

مجمل القول أنه إذا تمادى المعتدون الثلاثة  في عدوانهم على سورية فمن المحتمل أن تتفاقم الأوضاع أكثر وأن يصل التناقض الروسي ـ الغربي في سورية إلى حافة الهاوية، فيضيع السوريون وغيرهم من شعوب الهلال الخصيب، «فرق عملة» كما يقال، في حسابات القوى العظمى. شكراً مرة أخرى، لمفكري الثورة المعروفين بالاسماء!.