نادية حرحش تكتب لـ"وطن": وداعا يا قدس

13/05/2018

وداعا يا قدس
أهو تجهم السماء؟
أم هو فعلا حداد غير معلن على مدينة تم اغتصابها مرارا وتكرارا سفاحا، ولم تعد تتحمل المزيد، فماتت؟
هل علينا التسليم وإعلان الموت لجسد مدينة أنهك فلم يعد يقو على المزيد؟
هل نحن أبناء هذه المدينة نتاج سفاح تعرضت له تلك الجميلة، وعليه نكون قد تيتمنا اليوم؟
أم هل هي المدينة التي تيتمت اليوم، ولا تجد من يعزي فيها، فهي من فقدت من عزيز وقريب غدر بها فغدرته الدنيا؟
هل أعلن بكائية على القدس بهذه اللحظات؟
هل أنادي من أجل أمل؟
كيف يكون الأمل الا خدعة، كذبة كبيرة، في ظل واقع قلب الحقيقة وشوهها وحقرها وسلبها من ماهيتها، ونحن ها هنا ننظر، غير مصدقين؟
هل علينا التسليم للواقع والاستسلام له، ونمضى لواقع جديد يخط بسطوته شكل المدينة وفحواها وهويتها؟
أمشي في ما تبقى من المدينة التي تشكل ماهيتي، هويتي، كياني ووجودي، وأتعثر بأشباه بشر صاروا هم شكل هذا المكان، في زمن سابق لا زلت أعيه، ولا يزال يشكل ما افهمه واعرفه عن هذه المدينة، لم يكونوا الا استثناء، شاذا، دخيلا على المدينة. كانوا يهرولون مسرعين أمامنا خوفا. كانوا كاللصوص يتلصصون في أوقات معينة، وكانوا كالأنذال يطأطئون رؤوسهم مدركين أنهم غزاة طغاة سارقون للتاريخ والحاضر ولن يكون لهم في المستقبل وجود.
ولكن انقلبت الحقائق في واقع جديد، حقيقة لواقع صرنا نحن أبناء هذا المكان دخلاء عليه، نهرول عندما نراهم، نشعر بالخوف ونطأطىء رؤوسنا خجلا من خذلان عشنا فيه فخذلنا وصار يشكل ماهيتنا.
هاهي القدس تودعنا بعد صراع طويل عقيم من أجل أن تبقى معنا ولنا. وها نحن نقف نرثيها، نبكيها، ننتهي الى قعر هزيمة تسحقنا وتسرق ما تبقى من أرواح في أجسادنا الهزيلة.
لم يعد عدونا يختبيء وراء متطرف أو معتوه صهيوني. يهجم مباشرة بحكومته وآلياته وعتاده وجنوده وشعبه والعالم من حوله الداعم له بالعلن وبلا حياء.
هل هذا هو الزمن الذي سيعلون به علوا كبيرا؟
هل المشكلة فيهم ام فينا؟
يوحدون القدس على هواهم، يختالون بشوارعنا وبيوتنا ومساجدنا وأزقتنا، يقتحمون المدينة من كل مداخلها، المستوطنون بأفواج يدخلون باحات المسجد الأقصى، من أجل هيكل ينبشون الأرض ويدكونها من أجل السيطرة على الازض وما تحتها، كما يتحكمون بما عليها وفوقها.
أصواتهم مدوية وصياحهم علني وشعاراتهم الحاقدة الكارهة مدججة مؤازرة بالسلاح والعتاد.
ويستمر مشهد التنكيل بأبناء المدينة القابضين على ما تبقى من أرواحهم، لأنهم الوحيدين المدركين لمعنى ان تعيش حياة بلا روح.

والقدس بما هي عليه هي روح تغذي أجسادنا الهالكة، فكيف نكون وهي تدنس أمام أعيننا وعلى مرأى البشر واحتفاله بنهب ما تبقى من هوية تشكل معالم هذه المدينة المقدسة. مقدسة الا من بشر يحومون حول انتهاكها وسلبها.

وقبل البكاء والعويل، علينا أن نتأكد هذه المرة أننا لن نسمح بإدانة ولا شجب ولا نداء كاذب من متخاذل مرتزق تناوب مع المغتصبين طيلة سنوات وعقود على انتهاك القدس من قداستها.
أبكيك اليوم يا قدس.

وسيبقى أولئك منا الذين لا يقوون على الوجود بدونك صامدة عالية مقدسة حاضنة لما نكون عليه من وجود.ينتظرون يوما يظهر فيه عدل يصنعه أبناء الشجعان والأبطال الحقيقيون. حتي ذلك الحين لا يحق لنا قبول تعازي في مدينة تركناها لتسابق المغتصبين عليها، ونعلن الحداد عليها.