خالد بطراوي يكتب لوطن "قراقوش"

16/05/2018

 يعرف التاريخ الحاكم قرقوش أو قرقاش، ويضرب المثل القائل " حكم قرقوش" عند إستذكار أي شخص يطغى ويتجبر.

وقرقوش كان حاكما لمصر أو أنه أشرف على بناء مدينة مصر كما ذكر خبير التراث الأردني نايف النوايسة في كتابه ( حكاية مثل) وفقا لما ورد على الشبكة العنكبوتية.

يقول النوايسة في كتابه ( حكاية مثل) أن المثل "حكم قرقوش" يروى عن تاجر بخيل " له ولد كان يقترض باسمه؛ أي باسم والده، وكثر الدين على البخيل، وصار الدائنون يطالبون بحقهم، وكان الولد يقول لهم قريباً سيموت والدي وسأدفع لكم حقوقكم، وامتدت الحياة بالوالد وطال عمره. واتفق الولد مع الدائنين على دفن الوالد البخيل حياً، فقاموا وكفنوه وهو يصرخ ويصيح بالناس الذين تجمعوا في المسجد ليصلوا عليه وكان يقول "يا ناس أنا حي"، وفي هذه الأثناء مرّ قرقوش بجوار المسجد وأراد الصلاة، فسُمع اللغط، واقترب من الرجل فوجده حياً، فسأل ابنه "كيف تدفن والدك حياً؟!"، فقال الولد "لا تصدق يا سيدي، اسأل هؤلاء الناس، هل هو حي أم ميت؟"، فقال الدائنون "إنه ميت"، فاقترب قرقوش من الرجل وقال "كيف أصدقك وأكذب الناس.. روح إندفن وخلصنا حتى لا يطمع فينا الموتى ويقومون من جديد".. ودفن الرجل وهو حي. وأصبح الناس من قصص قرقوش يضربون المثل للدلالة على التجبر والظلم وفساد السلطة.

إستلهم الشاعر الفلسطيني الراحل سميح القاسم هذه الشخصية وأصدر في العام 1970 مسرحيته الشعرية "قرقاش" وأذكر أننا في صغرنا سبعينات القرن المنصرم حضرنا العرض المسرحي لمسرحية قرقاش والتي تقول فيها أم الشهيد بما معناه " ماذا ... إبني الذي ربيته أعوام .. في البؤس .. في الألام .. يعاد لي وسام ... خذوها .. خذوا الأوسمة .. وردوه اليّ .. إصبعا ... طبشورة .. محرمة".

وكانت – هذه الأم - ترد  بذلك على خبر إستشهاد ولدها "دفاعا" عن الحاكم الظالم قرقاش حيث كان يخدم في الجيش، وكان قرقاش بعد إستشهاد الإبن  قد منحه ثلاثة أوسمة الأول وسام الدفاع عن قرقاش والثاني وسام السقوط لأجل قرقاش والثالث وسام الموت لأجل حياة قرقاش.

قرقاش أيها الأحبة موجود بيننا في عالمنا العربي والفلسطيني، أشخاص متنفذون على كافة الأصعدة والميادين السياسية والإقتصادية والثقافية والأجتماعية يسحقون المواطن سحقا.

لا يقتصر الأمر على السياسيين، ولا يجب أن ينحصر تفكيرنا بهذا الاتجاه فقط، يتغول رأس المال على الكادحين، يسرقون قوتهم اليومي وصحتهم البدنية والنفسية ويغرقونهم بالديون والهموم. يتغول المثقفون على بعضهم البعض ويجلسون للتنظير على المواطن الكادح بل ويتحول الكثير منهم الى كتاب مجلات وصحف صفراء بكتابات يندى لها الجبين. تتغطرس مؤسسات الخدمة الاجتماعية الرسمية وغير الرسمية على الساعين للضمان الاجتماعي وعلى صعيد آخر ... ولكل منا قصصه المتعلقة بالتأمين الصحي.

وعندما تقع الواقعة، نطنطح جميعا بين المؤيد والمعارض، المستنكر والمبرر، وتكثر الملصقات التي تحول فلذات أكبادنا الى صور على الجدران، ونردد جميعا " يا أم الشهيد وزغردي .. كل الشباب أولادك " ونترك هذه الأم قليلا بعد ذكرى الأربعين ان لم يكن قبل ... وكلمات سميح القاسم تصم آذاننا .... خذوها .. خذوا الأوسمة .. وردوه اليّ .. إصبعا ... طبشورة .. محرمة.

قراقاش موجود في أغلب عائلاتنا، فرب الأسرة هو الآمر الناهي، هو المسيطر، هو الذي يذيب شخصيات باقي أفراد الأسرة وكيانهم وأحاسيسهم. قرقاش حتى موجود في داخل كل منا، يمنع عنا فضاؤنا ومساحتنا تحت مسميات عديدة منها العادات والتقاليد.

قرقاش موجود في الخطاب الديني المستند بالأساس على الترهيب أكثر من الترغيب، قرقاش موجود في كثير من الخطباء حيث يعتلون منابر المساجد يفرقون لا يجمعون، ينشرون ثقافة الظلام بدلا من ثقافة التنوير، يدعون للقتل بدلا من التسامح والعفو عند المقدرة، ويكفرون من هم أنقى منهم في دواخلهم.

إبني الذي ربيته أعوام .. في البؤس في الألام .. يعاد لي وسام .. كلمات عميقة قالتها تلك المرأة في مسرحة سميح القاسم الشعرية .... قرقاش.