خالد بطراوي يكتب لـوطن: محاولة حزب الشعب للتغريد خارج السرب

21/05/2018

بعيدا جدا جدا عن موقفنا المبدأي من ضرورة عدم الجمع بين الأمانة العامة وعضوية اللجنة التنفيذية وأية مناصب أخرى من قبل فرد واحد تفاديا لتكريس مؤسسة الفرد الواحد أو حزب الفرد الواحد أو "تأليه" الفرد وبعيدا عن قناعتنا بأن المخصصات التي يتقاضاها أي شخص يتبوأ منصبا عاما بإسم فصيله السياسي يجب وبالضرورة أن تودع في مالية الفصيل الذي بدوره يصرف له مخصصه الشهري، وبعيدا عن قناعتنا بأشياء أخرى وبضمنها الإبتعاد عن إقتصاديات السوق والتجارة وليس بأي حال من الأحوال من باب " المغازلة " أو " مديح الظل العالي " أو " المهادنة" أو غيرها من التوصيفات أو المسميات، فان التصريح الذي أدلى به الأمين العام لحزب الشعب الفلسطيني الرفيق بسام الصالحي يستحق التوقف عنده وبكل تمعن وتفكير وتمحيص.

نقلا عن الصفحة الفيس بوكية لعضو المكتب السياسي لحزب الشعب الفلسطيني المحامية سمر الأغبر فقد ورد أن الأمين العام لحزب الشعب الفلسطيني وعضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير بسام الصالحي قد قال " أن ما تعيشه القضية الفلسطينية لا يمكن إعتباره أزمة أو مأزق يمكن تجاوزه ... حيث أن هناك مرحلة إنتهت ولا توجد عملية سياسية حتى الان عندما يجري الحديث عن رعاية دولية باعتبار أن الولايات المتحدة قادرة على إجهاض أية مبادرة دولية" وأضاف الصالحي " إننا الان وجها لوجه مع واقع الاحتلال دون أي عملية سياسية .. وأن المخرج من الوضع الحالي من وجهة نظر حزب الشعب هو الاتجاه لإعادة صياغة خطاب سياسي إقليمي يجري عرضه في مقابل المشروع الذي يطلق عليه "صفقة القرن" .. إن هذا المشروع السياسي تتكون عناصره من كل من فلسطين وسوريا ولبنان التي تشترك جميعها في أن لها أراض محتلة من إسرائيل على أن يكون مسعى لتحالف دولي من هذه الدول مثل روسيا والصين وغيرها من الدول المساندة، وأن تقدم هذه الدول مشروع سياسي قائم على إنهاء الاحتلال من أراض هذه الدول من خلال عملية سياسية تشبة صيغة مدريد وليس " أنابوليس" أو غيره، بما يؤمن نوع من الحل

الإقليمي للمنطقة من خلال بناء عملية سلام على أسس مختلفة تشترك فيها كل الأطراف .. إن هذا المشروع هو للصراع أكثر منه للحل الفوري ولكن في هذه الجبهة التي تتشكل الان في المنطقة من الطبيعي أن يكون هناك مشروع سلام إقليمي يرتكز أساسا على إنهاء الاحتلال عن أراضي دول فلسطين وسوريا ولبنان. ودعا الصالحي الى ترسيم الحدود بين (ألأردن وفلسطين) و ( مصر وفلسطين) وعدم ربط ذلك بنتائج المفاوضات مع إسرائيل".

الى هنا ينتهي ما ورد على لسان الأمين العام لحزب الشعب والذي أشار بأن تصريحاته هذه هي مبادرة من حزب الشعب للخروج من المأزق الحالي وهنا يجري التساؤل " إذا كان ما تعيشه القضية الفلسطينية ليس مأزقا أو أزمة يمكن تجاوزها، فما هو التوصيف الدقيق لما تعيشه القضية الفلسطينية؟ وهل بالإمكان رؤية هذه القضية بمعزل عن الظروف الدولية والاقليمية والعربية وحتى الفلسطينية وموازين القوى وتضارب المصالح؟

ولا أتفق مع الرفيق الأمين العام بالقول أنه " لا توجد عملية سياسية حتى الان في المنطقة" حيث يوجد عملية سياسية تدور بعيدا عن الشعوب العربية وبضمنها الشعب الفلسطيني، ولكنني في ذات الوقت أتفق مع ما ذهب اليه الصالحي بالقول " أن الولايات المتحدة قادرة على إجهاض أيه مبادرة دولية" وهذا يستدعي تحركا جماهيريا عربيا وفلسطينيا ومن كل الشعوب المعادية للسياسات الأمريكية بإتجاه تصعيد العداء لهذه السياسيات وتفويت السعي الأمريكي لخلق وتسعير النزاعات الداخلية.

أما بخصوص ما ذهب اليه الصالحي بالقول " إننا الان وجها لوجه مع واقع الاحتلال دون أي عملية سياسية" فإن هذه الاستنتاج قد جاء متأخرا كثيرا لأننا فعليا أمام واقع الآحتلال منذ بدايته وحتى الان والى أن يزول فعليا وعمليا وليس قولا وتصريحا أو إعلانا بمفاوضات وإتفاقيات على ورق. إن ذلك يستدعي عملية إستنهاض فصائلي وجماهيري ورص الصفوف والابتعاد عن " الرفاهية تحت الاحتلال" إذ أننا بحاجة الى بلورة رؤيا كفاحية تعيدنا الى حالة شبيهة بالانتفاضة الشعبية السلمية المستندة الى الحراك الشعبي مع ما يرافقه من جهد دبلوماسي حثيث في المحافل الدولية وإستنهاض لحالة الخمول التي تعيشها بعض سفاراتنا وممثلياتنا في الخارج بتكثيف الجهد الجماعي للجاليات العربية والفلسطينية في الخارج مع قوى السلام والديمقراطية.

أتفق أيضا مع ما ذهب اليه الصالحي بالقول " إن المخرج من الوضع الحالي من وجهة نظر حزب الشعب هو الاتجاه لإعادة صياغة خطاب سياسي إقليمي يجري عرضه في مقابل المشروع الذي يطلق عليه "صفقة القرن".

وأنني أرى أن ثمة أطروحات أصبحت مجرد كليشيهات ليس أكثر كالقول "الأرض مقابل السلام" وهي أطروحات قد عفى عنها الزمن وشرب، وينبغي تصعيد الخطاب السياسي الإقليمي بما يوضح أن الممارسات الإسرائيلية الأحتلالية على إمتداد السنوات والمستمرة يوميا قد أبعدتنا أكثر فأكثر عن فكرة التعايش والسلام وأن إستمرار هذه الممارسات سوف يدفن أية رؤية للتعايش الى الأبد.

يحاول الصالحي الإشارة دون نجاح في بلورة الفكرة أكثر بالقول " إن هذا المشروع السياسي تتكون عناصره من كل من فلسطين وسوريا ولبنان التي تشترك جميعها في أن لها أراض محتلة من إسرائيل على أن يكون مسعى لتحالف دولي من هذه الدول مثل روسيا والصين وغيرها من الدول المساندة" وفي ذلك محاولة لحصر الصراع فقط بين تلك الدول العربية التي لها أراض محتلة من قبل دولة الآحتلال والتي نرى من وجهة نظرنا أنها "تضييق لدائرة الصراع" الذي هو بالأساس صراع لقوى التحرر في العالم مع قوى الاحتلال وهو أيضا صراع عربي – إسرائيلي قبل أن يكون صراعا منحصرا لدول إحتلت أراضيها من قبل دولة الاحتلال. إن هذا التصريح يمنح " أريحية" لتلك الدول العربية غير المحتلة أراضيها " لتكنس يديها" من مسؤولياتها القومية تجاه فلسطين المحتلة والجولان المحتل والأراضي اللبنانية المحتلة. كما ومن المهم أن لا يتم الاعتماد في تشكيل التحالف الدولي فقط على كل من روسيا والصين، حيث أن هناك العديد من الدول التي تناضل أكثر حتى من الدول العربية في مناهضة الاحتلال الاسرائيلي وبالتالي ينبغي تكثيف الجهود والتوجه لها.

ويقر الصالحي بصورة مبطنة بفشل إتفاقيات أوسلو" بالقول " وأن تقدم هذه الدول مشروع سياسي قائم على إنهاء الاحتلال من أراض هذه الدول من خلال عملية سياسية تشبة صيغة مدريد وليس " أنابوليس" أو غيره، بما يؤمن نوع من الحل الإفليمي للمنطقة من خلال بناء عملية سلام على أسس مختلفة تشترك فيها كل الأطراف"ن فإذا كان الأمر كذلك فلماذا التلميح وليس التصريح العلني الجرىء بإنتهاء أتفاقيات أوسلو، بل وحتى التحلل من كافة تبعات إتفاقيات أوسلو.

إن دعوة الصالحي الى " ترسيم الحدود بين (ألأردن وفلسطين) و ( مصر وفلسطين)" هي دعوة متأخرة جدا جدا ولا ينبغي التصريح بها فقط وإنما السعي لوضعها موضع الننفيذ والتباحث بشأنها مع الأشقاء في الأردن ومصر وترسيمها بشكل سريع تمهيدا لاعلان كونفدرالية بين هذه الدول الثلاثة جمهورية مصر العربية والمملكة الأردنية الهاشمية ودولة فلسطين تمهيدا للخطوة الأكبر بإتحاد فدرالي يضم أضافة الى هذه الدول الثلاث كل من سوريا ولبنان.

إن تصريحات الأمين العام لحزب الشعب هذه التي نأمل أن تشكل أرضية كي يتحرك الحزب أولا بإتجاه قاعدته للتداول بشأنها وتعميمها وثانيا بإتجاه هيئاته القيادية لبلورة " خارطة طريق" لتحقيقها وبضمنها تكريسها كتكتيك داخل منظمة التحرير الفلسطينية لنعود لتقييمها فعليا وعمليا على أرض الواقع بعد فترة كي لا تتحول هذه التصريحات الى مجرد " أقوال لا أفعال " ليس أكثر ومن باب تسجيل المواقف.