رمضانيات 25: يافطة انقسام ومجسم انسلاخ.. انسلخوا عنا وانقسموا بعيداً

11/06/2018

كتبت: نادية حرحش

استيقظت صباحا، وكان موضوع اليوم جاهزا في رأسي. فليس أفضل من مظاهرة رام الله بالأمس وتلك اليافطات التي نزلت من فضاء العمارات تلوم حماس على حصار غزة.

شعرت وكأني أشاهد مسرحية تراجيدية .حقيقة ، ما الذي يمكن قوله بعد هذا المشهد؟ تعكر مزاجي وشعرت بأنني يجب أن انتبه مما سأكتب. فالوضع يغلي على حطب الفرقة والحزبية.

ولكن كما في كل لحظات الإحباط يخرج بصيص أمل ، ظهر أمام عيني منشور للصديق عزام الدقاق، وأوجز في عباراته كل ما كان يمكن لعقلي أن يقول:
"كفى استهتارا بالشعب!!!!
من أنتم يا من بعتم ضميركم؟
مساء أمس كانت مظاهرة رام الله بمشاركة كافة الاتجاهات السياسية. كانت كلمة الشعب من أجل الشعب. من أجل الإنسانية . القلب مجروح. القلب الموجوع على أحوال الإنقسام وعلى حال أهلنا في غزة.
ونفر من (السحيجة) حاولوا شجب أصوات الشعب المنادية برفع الحصار، ودفع الرواتب ليعيش الغزي بكرامة كما في باقي مدن الضفة.

من الواضح ان هذه الفئة الضالة والمضللة معدومة الضمير، وهي مع الإنقسام، وهي مع تجويع أهل غزة حتى الموت نكاية بفصيل آخر، وبالنهاية هم فلسطينيون ضد الفلسطينيين.. هم ضد فلسطين.

ونجحت المظاهرة وآمل أن تستمر لأيام من أجل الضغط على الجميع لإنهاء الإنقسام، بما يخدم شعبنا، وليس خدمة للإملاءات والأجندات الضيقة.
على كل حال فإن توجهات السلطة الآن هي بتسديد الرواتب، ويبقى السؤال الكبير.. من أنتم ؟ أنتم خارجون عن الصف الوطني".

وأعيد هنا السؤال: من أنتم؟
هل كانت يافطة تؤكد على الإنقسام والإنقلاب والقتنة بين أبناء الشعب لمصلحة أحد غير الاحتلال؟ كيف وصل الحقد بين أبناء الشعب الواحد إلى هذا القدر الذي يعمي البصر كما أعمى القلوب؟
هل يريدون انقلاباً عليهم؟
نختلف مع حماس في ايديولوجيتها وتوجهاتها ولا تروق لنا، ولكن كيف يعني هذا أن نتعاون مع الاحتلال على شعب محاصر كامل من أجل الكيد لحماس ؟
الفتنة أصبحت عنوان الإنسان الفلسطيني !

في القدس بالمقابل، وبينما يستمر الإسرائيلي المحتل بتهويد وأسرلة المدينة والحفاظ على طابعها الصهيوني. في وقت نقلت فيه السفارة الامريكية في اعتداء صارخ للمواثيق الدولية، وفي وقت يدخل المستوطنون أفواجا يومية الى المسجد الأقصى بساحاته في زياراته الاستفزازية. في وقت تخرج المظاهرات في غزة المحاصرة من أجل القدس وأهل القدس. يخرج علينا أحد أبناء القدس الأبرار بمجسم لقبة الصخرة يحمل أسماء عائلات القدس عليه.

المسألة ليست مسألة توقيت، ولا مسألة فكرة خلاقة أو غير خلاقة. إبداعية أو غبية. ولكن المسألة مسألة احساس بنبض هذا الوطن الذي يبدو انه توقف لدى الكثيرين.

في وقت تحتاج القدس لكل أبنائها لتكون قوة أمام اعتداء يسعى للتهجير والتصفية من جديد، في وقت نحتاج أن تكون فلسطين كلها القدس، لا أفهم كيف يخرج هذا المجسم بأسمائه ليقرر لنا من هو ابن القدس.

القدس ليست حكرا لعائلة. القدس لمن يحبها ، لمن يبذل حياته من أجل إعمارها .
القدس لمن يشعر بمعنى وجوده وارتباط هذا الوجود بمكان أسمى، فيفهم لم هذه الحرب الوجودية على تملك القدس.
القدس لمن يفتح محلا تجاريا ويواجه الضرائب والتنكيلات ومحاولات التهجير ويصر على ان يبقى .
القدس لمن يهدم منزله ويهدد ويدفع المخالفات والغرامات ويقضي أيامه بين المحامين والمحاكم ومع هذا يعيد البناء.
القدس لمن يجلس على درجات باب العامود عندما يتم إخلاءه  مصرا على ان هذا المكان جزء من تاريخه.
القدس لمن وقف أمام فوهات البنادق من أجل رفع البوابات عن الأقصى.
القدس لمن قدم حياته وصار شهيدا ومعتقلا من أجل وطن يسكنه ويتملك وجدانه.
القدس تحيا اليوم بمن جاءها وبقي فيها دفاعا عنها .
القدس هي المعضلة والرقم الأصعب في تصفية هذه القضية بسبب سكانها . أولئك الذين تعيشهم القدس ويعيشونها .
القدس ليست حكرا لعائلة.. القدس وطن.. القدس حضن كل فلسطيني يعرف أن وجوده بنبض هذه المدينة. وسكانها هم شرايينها
ابتعدوا عن سخافة العنصرية والقبلية والفئوية الكاذبة.
يكفينا فرقة السياسة، فلا تفرقوا موروثنا الإنساني الذي أبقانا لهذه اللحظة أمام احتلال غاشم لا يتوقف.
بين يافطة تنادي للانقسام وبين مجسم ينادي للعنصرية بين أبناء الدم الواحد والمكان الواحد، يجب أن نتوقف كثيرا، بوعي ذاتي ليصبح جمعيا أمام هكذا تشويهات.
وجودنا بقوتنا كشعب واحد ...لا كفرق وأحزاب وطوائف وأبناء مدن وقرى وهذا المكان وذاك.
فلسطين وطن بقوة أبنائها المتلاحمين.. لا المنقسمين