واستشهد الـ Teacher

20/06/2018

رام الله- وطن للأنباء- رولا حسنين: دون مقدمات أو تمهيدات كثيرة، غالباً لا تسعفنا الكلمات ولا اللغة كلها لتعريف إنسان مناضل أمضى حياته ما بين اللجوء والأسر والمعاناة المستمرة، فلسطيني اسمه محمد ولقبه الـ Teacher. 

من هو الـ Teacher؟

محمد غوانمة أو كما يسميه مَن عرفوه بـ Teacher، أسير محرر، عايش الظلم الاسرائيلي بصلفه الذي لا يمكن وصفه بالكلمات، توفي فجر أمس الثلاثاء عن عمر يناهز الـ 60 عاماً، قضاها مُعذباً مكتوياً بعذابات الاحتلال التي لا تنتهي، متألماً على وطنه الأسير، وعلى جسده الذي ظلّ أسير معاناة تسبب بها الاحتلال خلال اعتقاله لسنوات طويلة.

ترعرع الـ Teacher في مخيم الجلزون شمال رام الله، عايش اللجوء وقسوته، ولكنه ظلّ أميناً للوطن، حيث آمن بفكرة التحرر وعمل لها.

وحول سرّ لقبه الـ Teacher أي المعلم، يقول أقرانه في المخيم أن لقبه هذا جاء بعد صموده داخل التحقيق في سجون الاحتلال الاسرائيلي رغم ما لاقاه من تعذيب قاسِ لا تصمد أمامه الجبال، ولكن الـ Teacher صمد، فأضحى المعلم والقدوة في نظر الأسرى في الصمود داخل أقبية التحقيق، فأسموه الـ Teacher، وسرعان ما ذاع لقبه على لسان الجميع.

الـ Teacher، شخص رزين، واعٍ، مثقف، يمتلك الفهم العميق لما يدور بالقضية الفلسطينية، كان من طلائع الشبان الذين قاوموا الاحتلال في مخيم الجلزون، لم يكن الـ Teacher هو الأسير الوحيد في عائلته، بل اعتقل الاحتلال خلال الانتفاضة الثانية عائلته جميعها بما فيها والدته التي أمضت قرابة الـ 7 أشهر في سجون الاحتلال، وشقيقه محمود غوانمة أسير محرر لا يلبث أن يتحرر من سجون الاحتلال حتى يُعاد اعتقاله لأشهر وسنوات.

20 عاماً في الأسر بينها 5 أعوام في العزل الانفرادي

عندما اعتقل الاحتلال الـ Teacher، حكم عليه بالسجن سنوات طويلة، حيث أمضى في سجون الاحتلال أكثر من 20 عاماً، قرابة الـ 5 سنوات أمضاها في العزل الانفرادي، داخل غرفة صغيرة جداً تحت الأرض، لا يرى فيها الا الفئران التي كان يستخدمها الاحتلال ضمن منهجية التعذيب النفسي للأسرى الى جانب عزلهم، 5 سنوات مرّت على المعلم غوانمة دون أن يرى فيها أحداً ولا حتى شمساً تسدل عليه ستائر أشعتها، ظل الـ Teacher حبيس العزل الانفرادي الى أن أصيب بأمراض جسدية ونفسية صعبة، وبذلك يكون الاحتلال قد نفذ حقده ضد الـ Teacher عندما قال ضابط الاحتلال لوالدته يوم اعتقاله "لن يخرج محمد من السجن كما دخله".

خرج الـ Teacher من الأسر وهو يعاني أمراضاً جسدية واضحة للعيان إثر التعذيب القاسي الذي تعرض له داخل الأسر، ونتيجة الرطوبة التي أكلّت أحشاءه في السجون، عدا عن أمراض نفسية مؤلمة جراء العزل الانفرادي المستمر، فكان الـ Teacher نموذجاً يمكن للتاريخ أن يحفظه للحديث عن ممارسات الاحتلال البشعة وغير الانسانية ضد الفلسطينيين.

رحل اليوم الـ Teacher وأمام هذه المعاناة لا يمكن أن نقول سوى "استشهد الـ Teacher"، رحل تاركاً خلفه زوجة مكلومة وابناً وحيداً، قضى حاملاً معه تاريخاً من المعاناة والمأساة التي لا يمكن للإنسان احتمالها، ولكن الـ Teacher احتملها عناداً للاحتلال، كما يعاند اللاجؤون كل عقبات الحياة إصراراً منهم على حقهم في العودة الى ديارهم المسلوبة.

وتعود أصول محمد غوانمة الى قرية الدوايمة التي احتلها الاحتلال الاسرائيلي عام النكبة -1948- بعد أن نفذ فيها مجزرة بشعة -اغتصب نساءها وقتل رجالها- مجزرة أرّخها التاريخ لبشاعتها.