خلقت مافيا خاصة.. تصاريح العمل في الداخل، أدوات ابتزاز واذلال للفلسطينيين

24/06/2018

ترجمة خاصة- وطن للأنباء: احتشد أكثر من (300) فلسطيني في مستوطنة إسرائيلية في الضفة الغربية مؤخرا، على أمل أن يتمكنوا من الحصول على قرار برفع الحظر الأمني عنهم، والذي يمنعهم من دخول إسرائيل، وقد كانوا قلقين جدا بانتظار المجهول.

تحدث المحتشدون مع بعضهم في مجموعات صغيرة، حيث رووا تجارب الماضي. قال البعض انه طُلب منهم التجسس على جيرانهم، مقابل الحصول على تصريح. وتعني التصاريح للفلسطينيين، حرية التنقل، والحصول على عمل بأجر عالي نسبيا.

وقد انتظر كل هؤلاء في ساحة خارج مستوطنة "غوش عتصيون" بين بيت لحم والخليل، من اجل عرضهم على الفحص الأمني، كفرصة نادرة للحصول على تصريح دخول الى إسرائيل للعمل. وفي ذات الوقت، يخشون من "حملة التطهير" التي يفتش فيها جيش الاحتلال على الفلسطينيين، ومنشوراتهم على موقع "فيسبوك"، قبل القرار بمنح اية تصاريح، على ما يبدو.

وقال ماجد غياضه، (35) عاما، انه تم رفض تصريحه أكثر من مرة، وإن أجهزة امن الاحتلال تسيطر على حياة الناس، وتقرر من الذي يمكنه الدخول الى إسرائيل، ومن لا يمكنه ذلك.

وأضاف، "أن المنع الأمني هو المحرك الأساسي والخفي لنظام التصاريح، الذي يعتبره الفلسطينيون الأداة الأكثر فعالية للتحكم بحياة الفلسطينيين منذ عشرات السنوات".

الكل يعرف القيود التي يفرضها الاحتلال على تحركات الفلسطينيين. غير ان تأثير نظام التصاريح يؤثر بطرق عديدة ومتنوعة، تؤثر بشكل مباشر أو غير مباشر على حياة (4.5) مليون من الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة. إن الحصول على تصريح يمكن أن يحدد ويجبر الفلسطينيين أين يعملوا، أو اين يدرسوا. وهل يسمح لهم زيارة الأقارب، أو اختيار الأزواج، ومكان السكن قبل الزواج، وبعده.

وقد تضخم النظام الإسرائيلي الخاص بالتصاريح، والذي تديره إدارة عسكرية، إلى بيروقراطية مترامية الأطراف في مختلف المحافظات الفلسطينية. وأصبحت ذات قواعد غامضة بشكل متعمد، وغالبا ما تكون مبهمة ومربكة وغير مفهومة للفلسطينيين. وبالتالي، كثيرا ما تربك مسألة الحصول على تصريح، او منعه، حياة الفلسطينيين، وتمنعهم من مظاهر الحياة الطبيعية والهادئة.

ويصور الاحتلال التصاريح التي يمنحها للفلسطينيين على انها إيماءات حسن نية. وتتعامل سلطات الاحتلال معه على انه نظام للحماية ضد ما تقول إنه محاولات لتنفيذ هجمات من قبل النشطاء الفلسطينيين، وذلك من خلال محاولاتها التأثير على نوايا الشبان الفلسطينيين، واغرائهم بالحصول على التصاريح، ومن ثم تحصيل الأموال من خلال العمل في إسرائيل، بدلا من التوجه الى تنفيذ عمليات فدائية.

ويقول العقيد الاسرائيلي المتقاعد جريشا ياكوبوفيتش، وهو من قدامى العاملين في الإدارة المدنية للاحتلال، إن مئات الإسرائيليين قتلوا في عمليات، او إطلاق نار خلال السنوات الأخيرة، وما يزال الفلسطينيون يحاولون تنفيذ المزيد من العمليات في إسرائيل. ويضيف: "ولهذا، فحن بحاجة إلى التحقق من كل شخص، فردا فردا، قبل التفكير بمنح أي تصريح".

يقول الفلسطينيون، والإسرائيليون المنتقدون لنظام التصاريح، "أن الهدف الأساسي من منح او منع التصاريح هو ترسيخ اعتماد الفلسطينيين على إسرائيل، وتوليد قناعة متجددة بانه لا حياة معقولة لهم الا بتصاريح الاحتلال. وان النظام يوفر وسيلة لتجنيد المخبرين للاحتلال، كما يزرع الشكوك الداخلية بين الفلسطينيين، ويبقي النخب السياسية والتجارية الفلسطينية أسيرة لامتيازات الحركة وحرية التنقل التي توفرها لهم التصاريح الاحتلالية".

ويضيف الكاتب، أن نظام التصاريح يغذي الفساد أيضاً. حيث يضطر الكثير من العمال الفلسطينيين في إسرائيل الى دفع ربع رواتبهم إلى "سماسرة التصاريح" الفلسطينيين. ويعتقد أن هؤلاء السماسرة يقومون بدورهم بتقاسم عمولات مع أرباب العمل الإسرائيليين. ولا يمكن للعمال أنفسهم عمل شيء للحد من ذلك والحصول على التصاريح عبر نظام عادل، لان التصاريح تسلم الى أرباب العمل، وليس الى العاملين أنفسهم. هناك أيضا تقارير عن الرشوة والمحسوبية بين المسؤولين الفلسطينيين، حيث انهم يحددون الأسماء التي يتم تقديمها للحصول على تصاريح إسرائيلية.

وفي غزة، التي تقع تحت الحصار منذ العام 2007، تصدر التصاريح بأعداد قليلة جدا، وبشكل استثنائي جدا أيضا. ووفقا لمنظمة "غيشا" الحقوقية الإسرائيلية، فقد صدر في العام 2017 اقل من (6) الاف تصريح، أي ما يقارب نصف عدد التصاريح التي صدرت في العام 2016. وتدعي سلطات الاحتلال ان السبب في تناقص اعداد التصاريح الممنوحة الى غزة يرجع الى ان حماس تستغل المسافرين، من حملة التصاريح، في تهريب الأموال والأسلحة، وفق ادعاء الكاتب.

وهناك موضوع هام يرتبط بموضوع التصاريح وهو "البوابات الأمنية"، التي يعبر حاملو التصاريح منها الى إسرائيل. وفي مكتب الإدارة المدنية، يضع الإسرائيليون كل ما يريدون قوله من تعليمات على ورقة (أيه4)، موجهة الى الفلسطينيين الذين لديهم منازل أو أعمال أو أراضي، بحيث يمكنهم عبور منطقة التماس، خلال خط أخضر غير مرئي، الى الجانب الاخر. كما تتضمن الورقة تنظيم حركات الأغنام والماعز، الى جانب حركة الأشخاص، على ذات الورقة، مما يؤشر على قلة الاحترام.

ويقول حنا بارج، مؤسس منظمة "محسوم ووتش"( مراقبة الحاجز)، النسائية الإسرائيلية التي تراقب نقاط التفتيش والحواجز الإسرائيلية،  ان "نظام التصاريح بيروقراطي وسيء بشكل لا يمكن وصفه. كم ان قرارات منح او منع التصاريح هي قرارات تعسفية، ولا تستند على قاعدة، مما يجعل من الصعب على مقدمي طلبات التصاريح من العمال والتجار الفلسطينيين التخطيط لحياتهم.

فعلى سبيل المثال، يواجه عداء المسافات الطويلة، نادر المصري-والذي شارك في عشرات المسابقات الدولية، بما فيها الألعاب الأولمبية للعام 2008-مشكلة في الخروج من غزة، رغم ان الرياضيين هم من بين القلائل المؤهلين نظرياً للحصول على تصاريح خروج إسرائيلية، ورغم انه لا ينخرط في السياسة. ومع ذلك، لم يوافق الاحتلال، ولمدة (3) سنوات، على طلبات خروجه، دون أن تفصح عن سبب ذلك.

وفي وقت متأخر، حصل المصري أخيرا على تصريح للمشاركة في مسابقة في الأردن، غير انه تم إصدار تصاريحه بعد فوات الأوان، ولم يصلوا إلى الأردن إلا بعد نهاية البطولة. وقال المصري غاضبا: "لو سمح لنا الاحتلال بالخروج في الوقت المناسب، لأمكننا تحقيق ميدالية بالتأكيد. ان هذا ظلم لا يمكن تحمله".

 

ترجمة: ناصر العيسة، عن: "اسوشييتد برس"