نادية حرحش تكتب لـوطن: التوجيهي الترعيبي

08/07/2018

لا أعرف من أين أبدأ ، ولكن يجب أن نقوم بشيء ما من أجل إنقاذ أبنائنا من هذا الكابوس المرعب المسمى بالتوجيهي. آه نسيت ـ الانجاز

اقترح أولا من السيد وزير التعليم أن يغير الإسم لما يتناسب مع الحقيقة ، وكلمة إنجاز هذه لا تمت بصلة لأي شي.

المصطلح الوحيد الذي يجب أن يطلق عليه هو "التوجيهي  الترعيبي" وليس التوجيهي فقط بالتأكيد هو  ليس بإنجاز.

كنت قد اقتربت من التغلب على شبح التوجيهي المدوي في عالمي الخاص، وأظن أنني لم أعد أرى كوابيس ذاك الامتحان، ومن المفترض أن يحصل هذا، فلقد مر ما يقّرب عليه ثلاثة عقود من ذلك الامتحان الكابوسي.

كنت كذلك قد قطعت عهدا على نفسي بألا اترك أبنائي يخوضون هذه التجربة المرعبة في حياتهم... ولكنني نكثت العهد وعرضت ابنتي لهذه الظلمات.

ظننتها شجاعة ومقدامة ومتفوقة تستطيع التأقلم مع متطلبات الضغط والحفظ والتلقين، ولكن الواقع كما دائما يفوق التوقعات.

الضغط النفسي الذي يتعرض له ابناؤنا مرعب. كلمة مرعب هي الكلمة التي تستحوذني. افهم الآن لماذا يصاب الأهل بالذعر ولماذا يتعرض الأبناء والآباء للجلطات الدماغية.

لا  أفهم ما الذي يريده صناع التعليم من أبنائنا ؟ ألا يكفي ضغوطات الحياة تحت احتلال قاتم دائم؟

لماذا لا تتغير هذه الامتحانات على الرغم من الادعاء بتطوير المناهج والأساليب التعليمة؟

واليوم تحديدا ، وبينما الامتحانات الأخرى متاحة ، ووزرائنا ورؤساء جامعاتنا ورجال سلطتنا يتلقون العلم في الخارج ويرسلون ابناءهم للمدارس الاجنبية التي تقدم بديلا اخر كامتحان البكالوريا الدولية، والـ"جي سي اي" و"السات" وغيرها ، يتم تعريض مئات الآلاف سنويا من الطلاب والطالبات لرعب يوصم حياتهم الى الأبد. رعب يعيشونه ككابوس ويصحون منه كعقدة نفسية أبدية، هذا إذا ما صحوا منه.

هل علينا أن نقدم أبنائنا قرابين للمناهج الترهيبية التي لا تنتج شيئا إلا تلقينا وحفظا؟

هل علينا ان نكمل هذا الطريق الذي نعلم عدم جدواه، لأن النظام التعليمي الذي عفى عنه الدهر متناسب مع بقاء الوضع القائم بنفس الرجعية والعبثية والتخلف؟

هل تريدون الاستمرار بإنتاج جيل لا يرقى إلى درجة التفكير والإبداع والإنتاج؟

أعرف ان صرختي هذه ستقابل بفضاء فارغ.

وأعرف ان الوضع لن يتغير ...

وسنستمر بالصراخ

ولكن ولأننا في لحظة مصيرية جديدة لأبنائنا ، تقرر مستقبلهم من جديد ، ومحاولات التغيير والإدعاء بها لا تزال محور الحديث ، يجب الدفع نحو تغيير جذري لهذا النظام، فليس صدفة تفرد المدارس الدولية بالأهل واستثمار الملايين من المدخولات التي يمكن أن تذهب في تحسين المدارس العامة والخاصة إذا ما انتهى رعب التوجيهي.

كيف يعقل أن يتقدم أبناء المدارس الدولية بامتحانات صعبة للغاية ، ويحصلون على علامات مرتفعة جدا اذا ما تعادلت هذه العلامات مع التوجيهي ، مع العلم أن المتقدم للـ"جي سي اي" وللـ"اي بي" و"الباك" و"البيجروت الاسرائيلي" لن يمر بسلام عبر امتحان التوجيهي اذا ما تقدم له. ما الذي يجعل الطلاب في المدارس الأجنبية يتفوقون بينما يتم سلخ الطلاب في المدارس العامة والخاصة وبذل أهم لحظات حياتهم بالنجاح في تقييم غاشم يحدد تفوقهم أو عدمه.

لماذا لا يتمكن الطالب الحاصل على ٩٨% بالتوجيهي من الحصول على علامة بالبسيخومتري تؤهله لما أهله إليه معدله بالتوجيهي ، بينما يستطيع طالب لم يصب بعقدة التوجيهي ، وربما لم يحصل على معدل عالي بالحصول على علامة بالبسيخومتري تؤهله لدخول أرفع التخصصات؟

ولكن مع هذا ، نبقى نحدد مسارات أبنائنا من خلال هذا الامتحان، مهما تفوق الطالب فيما بعد بمسارات الحياة التعليمية بالجامعات وغيرها ، يبقى التوجيهي شبحا مخيما على من لا يحالفه الحظ او مقدرته على البصم الأعمى طيلة حياته.

في هذه اللحظات المفصلية من حياة الآلاف من الطلاب وعائلاتهم من أجل لحظة تقرر حياتهم مع يقين الجميع بأنها ليست هي التقييم الحقيقي لمقدرات الطلبة وليست المؤشر الحقيقي لما يستطيع الطالب أن يقوم به ، فكم من طالب كان معدله بالتوجيهي غير مؤهل ، استطاع أن يدرس الطب والهندسة وبرع في مجالات علمية أساسية ومهمة.

أعترف بأنه لا جواب لدي لما يمكن أن تقوم به وزارة التربية والتعليم ، لماذا لا يتم إلغاء الامتحان واعتماد امتحان على قبيل الامتحانات الدولية بما يتضمنه المنهج الفلسطيني؟ بالمحصلة يبدو أننا نسعى من أجل تحصيل علمي عالمي ، لماذا لا يتم موائمة المنهاج مع ما يحتاجه الطلاب للمرحلة القادمة بطريقة مهيئة نستطيع فيها توفير المبالغ الطائلة التي نستثمرها بالمدارس الأجنبية وننتهي إلى صراع اكبر يفقدنا هوياتنا وثقافتنا مقابل الابتعاد عن كابوس التوجيهي وتحديده وتحجيمه للامكانيات؟