تحالف المضطهَدين ضد المضطهِدين

15/09/2018

رام الله- وطن للأنباء: في صباح يوم التاسع من أيلول 2018، وفي تمام الساعة السابعة صباحاً أذهلني مشهد شاب مراهق بعمر السادسة عشر، كان يجلس في دكانة والديه الصغيرة بسقفها الزينكو، والتي هي ذاتها منزلهم، في يديه كتاب ويقرأ.. وعند التاسعة صباحاً كان الشاب أول الحاضرين في اجتماع لمزارعين ومزارعات المنطقة، هذا الانتماء للبلد والتمسُّك بالأرض والعمل بجدّ دون كلل هو ما دفعني للكتابة.

في زقاق الحي الريفي "لا جولياLa Julia " عُقد الاجتماع البلدي لفلاحين وفلاحات بلدية "لا أوريبهLa Uribe"، حيث وصلنا بصحبة بعض الشباب الناشطين والمزارعين بذات الوقت من ذات الإقليم، وبعض الأفراد الدوليين المتطوعين في مؤسسات كولومبية بهدف التضامن مع كولومبيا (حيث أن وجود عنصر دولي يشكل عامل حماية للسكان أمام الدولة والجيش)، بالإضافة لمزارع وقائد اجتماعي من إقليم آخر في كولومبيا، على رقبته بشكل دائم قماشة مطرزة بعلم كولومبيا، ليس هو الوحيد الذي يتجول بصحبة علم بلاده كل الوقت، بل الكثير من الكولومبيين تراهم يتوشحون بعلامات بسيطة ومختلفة كلّها تدلّ على مدى حب وتمسّك الشعب في بلده كولومبيا.

بدأ العمل منذ الساعة السادسة صباحاً للتحضير لهذا اليوم الطويل، أهل الحي وكأنهم لا ينامون، في اللًيل أصداء الموسيقى تصدح والفرح رغم قسوة الحال إلا أنّه حاضر، وتراهم منذ السادسة صباحاً في الشوارع والدكاكين لكسب لقمة العيش. ليسوا جميعاً من سكان الحي الدائمين، فالبعض هم نازحون للمرة الأولى أو الثانية من أحياء أخرى قريبة، نتيجة للحرب المسلحة الداخلية في كولومبيا التي انطلقت شراراتها منذ عام 1948 إثر اغتيال مرشح الحزب الليبرالي للرئاسة "خورخي جايتان". رغم توقيع اتفاق السلام في نهاية عام 2016 ما بين الدولة وأكبر مجموعة ثورية مسلحة "الفارك" التي تأسست عام 1964، إلا أن البلاد في بعض المناطق ما زالت بحرب مستمرة، أو ما يدعى في حالة ما بعد الصراع.

من مشاهد ما بعد الحرب أو "الصراع" بحسب مفردات القانون الدولي الإنساني، أن حي "لا جوليا" عبارة عن قاعدة عسكرية لجيش الدولة، وبالتالي عناصر الجيش والشرطة يتجولون في شوارع الحي طوال الوقت، وما هو أكثر استفزازاً أنه أثناء اجتماع الفلاحين والفلاحات بدأ أفراد الجيش والشرطة يتوافدون بأسلحتهم وبعضهم ملثًم أمام قاعة الاجتماع، في محاولة فهم ما يجري وترهيب الناس وتذكيرهم بوجود الجيش دائما لصدهم عن أي فعل مقاوم أو محاولة تنظيم اجتماعي.

حي "لا جوليا" من الأحياء الفقيرة جداً في كولومبيا وذات وضع بيئي وصحي في غاية السوء، وللمقاربة فإن وضع الحي أسوء بكثير من مخيمات اللاجئين الفلسطينية في داخل فلسطين المحتلّة، أسقفة البيوت من الزينكو، والماء بالكاد يصل البيوت، الشوارع غير مرصفة، والطريق للوصول الى الحي عبارة عن ما يقارب 7 ساعات في الحافلة من وسط أقرب مدينة للحي، حيث أنها طريق جبلية وعرة غير مؤهلة. بحسب الأرقام فقط ما يقارب 50% من سكان الحي بإمكانهم الاستفادة من خدمات صحية، وما يقارب 24% من أطفال الحي لا يذهبون الى المدرسة، بالإضافة إلى أن الحي معرض لتهديد الشركات الدولية والاستخراجية الهادفة لاستغلال البترول والمعادن، وكذلك مشاريع الصناعة الزراعية التي تؤدي إلى المضاربة على إنتاج الفلاحين والفلاحات الصغار وتستغل أراضيهم، وبالتالي التهديد الدائم بنزوحهم، هنا من الجدير الإشارة إلى أن أحد  نتائج الحرب في كولومبيا وجود أكثر من سبعة مليون نازح.

بالمقابل، إن سكان الحي ليسوا بخاضعين، فهدف الاجتماع سابق الذكر هو تنظيم الفلاحين والفلاحات أنفسهم من خلال إنشاء مؤسسة زراعية هادفة لحماية حقوقهم في أراضيهم والنضال ضد الشركات الدولية والاستخراجية، وبالتعاون مع مؤسسات زراعية وطنية أخرى، وبالتحديد الجمعية الوطنية للفلاحين "أسونالكا ASONALCA" . بدأ الاجتماع في سؤال عام لماذا نناضل، وهنا كانت الإجابات تتشابه وتختلف ولكن في هدف واحد: حياة كريمة وعدالة اجتماعية والحق في الأرض، وشعار الاجتماع العريض هو تحالف المضطهَدين ضد المضطهِدين.

في الختام، ليس من الممكن التغاضي عن زي الجيش الكولومبي، الذي يحمل شعار الولايات المتحدة الأمريكية، وسلاحهم القادم من الاحتلال الاسرائيلي، حيث أن الدولة الكولومبية لها تاريخ من العلاقات التجارية والعسكرية مع الاحتلال الاسرائيلي.. ما يؤكد أهمية تحالف المضطهَدين من كل شعوب العالم في النضال، فالعدو وإن تعددت أشكاله هو واحد.

 

"فلسطينية في كولومبيا"