تقرير لمركز معا.. خُرب جنوب الخليل ترتوي بمياه المستوطنات العادمة

11/10/2018

سلط تقرير أخير لمركز العمل التنموي/ معا الضوء على مواصلة سلطات الاحتلال الإسرائيلي إغراق بيوت المواطنين وحقولهم الزراعية في خرب أبو العسجا وأبو الغزلان وأبو العرجان ورابود وكرزا جنوب محافظة الخليل، من خلال ضخ ملايين الأمتار المكعبة من المياه العادمة ومياه الصرف الصحي على أراضيهم، الأمر الذي أدى لتلوث المياه الجوفية، وإحداث ضرر بالثروة الحيوانية في انتهاك واضح وصارخ للقوانين الدولية.

وجاء في التقرير المعد من قبل الصحفي ساري جرادات: "في الخرب المذكورة أعلاه يعيش نحو 4500 مواطن، يكابدون العناء، فمجرى المياه الذي يمر من بين بيوتهم ما هو إلا مياه صرف صحي تضخه المستوطنات المقامة جنوب شرق الخليل وهي "كريات أربع وخارصينا وحجاي وعتنائيل"، حيث كانت هذه المناطق تعج بأشجار الزيتون والزراعة البعلية قبل إنشائها".

ووفقاً لتقارير سلطة جودة البيئة الفلسطينية، فإن كمية المياه العادمة التي تضخها المستوطنات الإسرائيلية في أراضي الضفة الغربية تبلغ حوالي 40 مليون متر مكعب سنوياً، 90% منها غير معالجة، وتُصرف في الأودية الفلسطينية والأراضي الزراعية مثل وادي النار وواد قانا ومناطق جنوب مدينة الخليل.

ويؤكد رئيس مجلس قروي التجمعات الخمسة أشرف دودين ل "آفاق البيئة والتنمية" أن مياه المستوطنات أدت لتلوث بيئة الخرب بكل مكوناتها، وزيادة نسبة الأملاح في التربة، وانتشار القوارض والحشرات، وتفشي الأمراض الجلدية بين المواطنين، مشيراً إلى إصابة 15 مواطناً بأكياس تكلس على الرئتين مند مطلع العام الجاري.

تداعيات بيئية وصحية

وأشار دودين إلى أن المجلس رصد قيام عددٍ من شاحنات المستوطنين بإلقاء مخلفات مصانع مستوطناتها السائلة في السيل الذي يقطع أوصال الخرب، كما لاحظ دودين انحسار أعداد الحيوانات والطيور والأعشاب البرية التي كانت تعيش في المناطق تلك والقريبة منها، ما أدى إلى تدمير العملية الزراعية برمتها، وهو ما دفع بالمواطنين إلى التوجه للعمل خارج الخرب.

وتبلغ مساحة الخرب وفقاً للمعطيات المتوفرة لدى المجلس 60  ألف دونم، يخترق سيل مياه المستوطنات العادمة أربعة كيلومترات منها، الأمر الذي ينتج عنه روائح كريهة، ما يؤدي إلى زيادة نفقات الأسر المتمثلة في تركيب مكيفات لتلاشي الارتفاع في درجات الحرارة في فصل الصيف، وذلك لعدم مقدرتهم على فتح نوافذ بيوتهم.

وتتفشى بين صفوف المواطنين أمراض الفطريات والديدان، والأمراض الجلدية والصدرية، كما أصيبَ قطاع واسع منهم بأمراض الجيوب الأنفية جراء الروائح المنبعثة من السيل، وتلويثها للمياه الجوفية، وتغلغل المواد السامة إلى التربة وتلوثها وتدمير قدرتها الإنتاجية، كما تتسبب في مضار زراعية على المحاصيل المتبقية هناك.

وكانت منظمة "بتسيليم" الإسرائيلية لحقوق الإنسان أفادت في تقرير نشرته مؤخرًا بأن المستوطنات في الضفة الغربية والبالغ عددها 121 مستوطنة باستثناء القدس المحتلة، تنتج وفقاً للتقديرات نحو 17.5 مليون متر مكعب من مياه الصرف الصحي في العام، حيث إن نسبة المياه العادمة غير المعالجة الناتجة عن نشاط المستوطنين تصل إلى 34 %.

وأوضحت المنظمة أن هناك مستوطنات غير مرتبطة بشبكات الصرف الصحي الإسرائيلية، وتنتج نحو 5.5 مليون متر مكعب من المجاري في العام، ولا تتم معالجتها مطلقاً، ويتم ضخ هذه المياه تجاه الوديان والجداول في أنحاء الضفة الغربية، ما ينذر بكارثة صحية وبيئية في المستقبل القريب.

ويتمنى المواطن السبعيني عدنان قطيط مواراته الثرى وقد تخلص ثرى خربته رابود من سرطان مياه مجاري المستوطنات الإسرائيلية، وأن يتمكن من الجلوس على شرفة منزله المطلة على سهول تمتد لتصل إلى الظاهرية جنوب مدينة الخليل بدون المستوطنات الإسرائيلية وأمراضها، وفق تعبيره ل "آفاق البيئة والتنمية".

وأكد قطيط تراجع إنتاجية أرضه (13 دونماً) المزروعة بكروم الزيتون بنسبة 90%، عن الأعوام التي سبقت إقامة المستوطنات الإسرائيلية في بداية ثمانينات القرن الماضي، وتخليه عن زراعة الفقوس والبندورة واللوبيا بالطريقة البعلية فيها، بسبب تراجع قدرتها الإنتاجية جراء أمراض التربة الناتجة عن مياه المستوطنات العادمة.

وحذّرت ورش العمل التي عقدتها جهات بيئية وصحية فلسطينية حول واقع مجاري المستوطنات من مخاطر انتشار أمراض الفطريات والديدان بالدرجة الأولى، والأمراض الجلدية والصدرية وتحديداً لدى الأطفال وكبار السن، وحذّرت من خطر سقوط أطفال ومركبات في السيل، ما يحتّم ضرورة معالجة هذه المشكلة.

محطة تكرير للمياه العادمة وسقف للسيل

ومما يفاقم الأزمة الحاصلة هو تلاقي مخلفات مياه مصانع الحجر المملوكة لرجال أعمال فلسطينيين، مع مياه الصرف الصحي الإسرائيلية، الأمر الذي دفع بلديتي الخليل ويطا إلى الشروع في إنشاء محطة لتكرير المياه العادمة، وسيستغرق العمل في بنائها حوالي ثلاث سنوات بدءاً من العام المقبل 2019.

ومن جهتها، دعت دائرة العطاءات المركزية في وزارة الأشغال العامة والإسكان، في شهر آب الماضي، الشركات إلى تقديم خدماتها لإدارة المرحلة الأولى في تصميم خط ناقل لمياه الصرف الصحي في وادي السمن بيطا، بعد تلقيها منحة من الوكالة الفرنسية للتنمية، جاءت بهدف معالجة المياه العادمة، التي حولت البيئة والأراضي الزراعية إلى مكبات لسمومها القاتلة.

فيما يهدف المشروع إلى سقف مجرى السيل الذي يمر من مدينة الخليل باتجاه يطا إلى الفوار والحدب ودورا والظاهرية والرماضين، وصولاً إلى منطقة النقب الصحراوية، وسيعمل المشروع على إنشاء محطة لتكرير المياه العادمة والاستفادة منها لأغراض زراعية، وستدير بلديتي يطا والخليل المشروع.

يقول المنسق الإعلامي لبلدية يطا عبد العزيز أبو زهرة: "قامت بلديتي الخليل ويطا بشراء قطعة أرض بمساحة 150 دونماً، في منطقة تقع بين خربتي قلقس والحيلة شرق مدينة الخليل، بهدف إنشاء المحطة عليها، وستتسع المحطة من 10 إلى 15 ألف متر مكعب من المياه العادمة يومياً".

وأكّد أبو زهرة لمراسلنا طرح عطاء بالتعاون مع سلطة المياه لإدارة المياه العادمة في الخليل، بتمويل من الحكومة الفرنسية، لتنفيذ مشروع عبارة عن سقف سيل واد أبو السمن، بهدف توجيه المياه العادمة صوب محطة التكرير، وسيبدأ العمل في إنشائها مع بداية العام القادم.

ويهدف مشروع سقف السيل وإقامة محطة تكرير للمياه إلى تقييم الواقع البيئي والاجتماعي والاقتصادي، بالإضافة إلى تقديم خطة للإدارة البيئية والاجتماعية، ويمتد المشروع على خمس مراحل، من تقييم الخيارات والجدوى في تقرير أولي، وإجراء مسح طبوغرافي وإعداد الخرائط وفحص التربة، وتقديم تقرير عن الأثر البيئي والاجتماعي لوادي السمن.