لم تقدم إسرائيل شيئاً لتستحق التطبيع مع العالم العربي

12/11/2018

كتب- كامل حواش: 

لقد ترك التطبيع المتزايد تساؤلات وصراع لدى الفلسطينيين لفهم ما حدث لدعم العالم العربي للقضية الفلسطينية.

سأخاطبهم بإسم الاخوان العرب – بما أنه لا يوجد أي من قادتنا من النساء – الاخوان الذين طعنونا في المقدمة ومن الخلف وتخلوا عنا سياسياً بينما قاموا باحتضان إسرائيل.

قريباً، قد تُرفع الأعلام الإسرائيلية في سماء بعض دول الخليج، بينما يضغطون على القيادة الفلسطينية لقبول صفقة "سلام" غير مقبولة.

أقول هذا كفلسطيني وأنا أشاهد صوراً تثير الاشمئزاز لبنيامين نتنياهو، زعيم دولة عنصرية قمعية، وهو من غرقت يداه بالدم الفلسطيني والدم العربي، ليقوم سلطان عُمان باستقباله بأذرع مفتوحه والترحيب به وبزوجته في دولة عُمان.

الأبارتايد المقدس

على الرغم من قيادته للمشروع الاستيطاني والحروب المتكررة على غزة وقتل المئات من المتظاهرين الفلسطينيين السلميين عند سياج غزة، اعتبر نتنياهو مؤخراً أن الحديث عن احتلال الأراضي الفلسطينية الذي دام لخمسة عقود هو مجرد "هراء". وقام أيضاً بتعجيل قانون الدولة القومية لإسرائيل، حيث كرّس نظام الفصل العنصري في قانون إسرائيل الأساسي.

لقد تلت زيارة نتنياهو المفاجئة إلى عُمان زيارة أخرى قام بها وزير النقل والمخابرات الإسرائيلي يسرائيل كاتس للسلطنة. وفي اجتماع المنظمة العالمية للنقل الطرقي في مسقط، تم تحديد الخطوط العريضة لخطة إسرائيل لعمل سكة حديدية تربط دول الخليج عبر الأردن بالبحر المتوسط عبر ميناء حيفا. هذا هو نفس الوزير المتطرف الذي دعا إلى "القتل المستهدف" لزعماء حركة مقاطعة اسرائيل السلمية (BDS)  وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات عليها في عام 2016.

تقع حيفا على بعد 130 كلم جنوب بيروت، لذا على العالم العربي الموحد، الذي يعمل من أجل شعبه، أن يجعل بيروت الوجهة المتوسطية لخط القطار، ليجلب سوريا إلى المشروع ويتجاوز إسرائيل. كما يمكن أن يستخدم تحقيق السلام العادل بين إسرائيل والفلسطينيين وعودة الجولان إلى سوريا كشرط مسبق للربط بميناء إسرائيلي.

وبما أن الترحيب بوزيرين إسرائيليين في عُمان لم يكن كافياً، فقد أحرزت إسرائيل انتصاراً ثلاثياً وذلك بعد التطبيع مع الإمارات العربية المتحدة من خلال الزيارة الغريبة لوزيرة الثقافة الإسرائيلية ميري ريجيف، إلى الإمارات العربية المتحدة، حيث ضحكت ومازحت مع من استقبلوها في مسجد الشيخ زايد في أبو ظبي. وهذا هو نفس الوزير المتطرف الذي وصف الأفارقة الباحثين عن اللجوء بأنهم "سرطان في مجتمعنا".

رفع العلم الإسرائيلي في أبو ظبي

تواجدت ريجيف في الإمارات العربية المتحدة لرؤية فريق الجودو الإسرائيلي يتنافس في بطولات أبوظبي الكبرى. وقد حاز "ساغي موكي" الإسرائيلي على ميدالية ذهبية بحضور العلم الإسرائيلي يرفرف عالياً مع أصوات النشيد الوطني "هتكفا" احتفالاً بفوزه. لا بد من التذكير هنا وبالعودة إلى القدس والخليل، لقد سعت إسرائيل إلى إسكات اذان لصلاة، لأنها تزعج نوم المستوطنين الغير قانونيين بالأصل.

لقد استضافت قطر مؤخراً بطولة العالم للجمباز الفني، وسمحت للفريق الإسرائيلي ليس فقط بالمشاركة، ولكن أيضاً لعرض الشعارات الوطنية الإسرائيلية.

وكانت قطر واحدة من أوائل الدول العربية التي افتتحت بعثة تجارية إسرائيلية رسمية في عام 1996، وكانت وقناتها الإخبارية، الجزيرة، هي أول محطة تلفزيونية عربية تستضيف إسرائيليين، مدعية بأن مهمتها السماح لكلا الجانبين بسرد القصة.

وفي غضون ذلك، قال وزير الاتصالات الإسرائيلي أيوب قرا في شهر شباط الماضي، أنه التقى مع الأمير مبارك آل خليفة من البحرين في تل أبيب أثناء زيارته لإسرائيل. وقال قرا إنهم التقوا "لتعزيز العلاقة بين البلدين"، متفاخرين بذلك كعلامة على تنامي العلاقات بين إسرائيل والبحرين. وفي شهر تموز استضافت البحرين دبلوماسيين إسرائيليين لحضور مؤتمر لليونسكو.

كما كانت هناك أمثلة على مسؤولين سعوديين يزورون إسرائيل أو يشاركون علانية مع مسؤولين إسرائيليين في دول أخرى، بما في ذلك الأمير تركي بن فيصل والجنرال المتقاعد أنور عشقي. حتى أنه سادت هناك شائعات بأن ولي العهد السعودي نفسه زار تل أبيب، رغم أن السعودية أنكرت ذلك.

ويجدى الإشارة هنا، إلى  أن المملكة العربية السعودية سمحت لشركة طيران الهند بالتحليق عبر أجوائها في طريقها إلى تل أبيب، وهذا قد يكون تمهيداً لفتح سماء المملكة العربية السعودية إلى شركة النقل الجوي الإسرائيلية (EL AL).

تزايد ظاهرة " إيران فوبيا "

هذا هو التشجيع على التطبيع الذي يتم دعمه من قبل عدد قليل من البلدان فقط. ففي الخليج، تواصل الكويت لوحدها معارضة أي دفء للعلاقات مع إسرائيل، وفي شمال إفريقيا تبرز تونس والجزائر. كما أن لدى إسرائيل روابط رسمية وعلاقات سلام فقط مع مصر والأردن، التي تحملت ضغوطاً وتوترات مختلفة، ولم تجلب المزايا نفسها التي اكتسبتها إسرائيل، خاصة فيما يتعلق بالأمن والهدوء على حدودها.

ومع هذا التطبيع المتنامي، يحق لنا نحن الفلسطينيون أن نسأل، ماذا قدمت إسرائيل لتستحق هذا ؟ ما الذي حدث للدعم العربي والإسلامي الراسخ للقضية الفلسطينية؟ ماذا عن الشعار بأن فلسطين ليست مجرد قضية فلسطينية، بل قضية عربية ومسلمة؟ ماذا حدث لمبادرة السلام العربية لعام 2002؟

لا شك في أن دعم الشارع العربي لحقوق الفلسطينيين لا يزال قوياً، أما على مستوى النظام فقد أصبحت العلاقات السريّة مع إسرائيل أمام الجميع الآن، لقد نجحت إسرائيل في إخافة دول الخليج على وجه الخصوص إلى شكل من أشكال " إيران فوبيا"، مما جعلها تلتمس الحماية من الولايات المتحدة، الأمر الذي أقنعهم بأن إسرائيل ليست عدواً بل حليفاً لهم.

لقد كان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب شديد القسوة في تذكيرهم بمدى ضعفهم، ليس فقط بسبب التهديد الإيراني وإنما لأي تهديد. وقد أخبر الملك سلمان مؤخراً: " ربما لا تتمكن من البقاء لأسبوعين بدوننا، عليك أن تدفع لجيشنا".

ويشار إلى أن الملك السعودي السابق عبد الله بن عبد العزيز قدم لإسرائيل "مبادرة السلام" العربية في عام 2002، بينما كان ياسر عرفات محاصراً في رام الله. وهذا بدوره قدم عرضاً لإسرائيل لتطبيع العلاقات مع العالم العربي إذا تحقق السلام بين إسرائيل وفلسطين. لم تقبل إسرائيل هذه الخطة أبداً، وقد تجاوزها العرب الآن حتى دون عقد قمة لدفنها.

تغيير المسار

وفي المقابل، لم تقدم إسرائيل أي شيء، باستثناء خوف مشترك من التهديد الإيراني وزيادة الإمدادات من البرمجيات الأمنية والعتاد العسكري. وهي لا تزال تهدد حرمة المقدسات الإسلامية في القدس والخليل وتحرم الفلسطينيين من حقوقهم المشروعة. فهي ليس لديها خطط لقبول سلام عادل مع الفلسطينيين أو إعادة الجولان المحتل بشكل غير قانوني إلى سوريا.

إذا كان العرب المطبعون يعتقدون أن إسرائيل سترسل طائراتها لحماية عروشهم في حالة وقوع هجوم إيراني غير محتمل، فهم مخدوعين أو في أحسن الأحوال تلقوا نصيحة سيئة. لن يستريحوا وسيستمتعون برؤية البلاد العربية مدمرة، كما كانوا يراقبون سوريا والعراق الأقوياء يتحولون إلى ركام. أتمنى أن لا يحصل كل ذلك.

ومع ذلك، لا زال الوضع قابل للتغيير، يمكنهم تغيير المسار وإعادة جبهة عربية موحدة لدعم فلسطين ضد نظام الفصل العنصري الإسرائيلي، فهم لا يحتاجون مثالاً  أفضل من ما فعلته الباراغواي، التي اتبعت خطى الولايات المتحدة في نقل سفارتها من تل أبيب إلى القدس، لتقوم بعد ذلك بالعودة عن قرارها وإعادة السفارة الى مكانها الأصلي في تل أبيب بعد التغيير الذي حصل في رئاسة الباراغواي وفوز الرئيس ماريو عبده في الانتخابات.

 البروفسور كامل حواش: فلسطيني يحمل الجنسية البريطانية، ويعمل أستاذاً للهندسة في جامعة "برمنجهام" البريطانية، وهو ناشط قديم من أجل العدالة خاصة للشعب الفلسطيني، وهو كاتب عامود ويظهر دائما في وسائل الإعلام كمعلق على قضايا الشرق الأوسط، له مدونة خاصة  على موقع www.kamelhawwash.com. 

(ترجمة- وطن للأنباء- الآء راضي عن Middle East Eye)