من حكايات النكبة ؛ ثريا و أبو نجم و أبو خالد البطراوي

15/05/2019

كتب: جمال زقوت

أكثر ما يرتبط بذهني في يوم النكبة هي جدتي أم أبوي ثريا، و التي كانت قد أصيبت أثناء الحرب و الهجرة بطلق ناري في رجلها، الأمر الذي أبقاها وحيدة في بيتها، و لم تغادر اسدود إلا بعد مدة ، و ظلت تعرج، وهي ، كما أذكرها،المرأة القروية الجميلة الممتشقة القوام و عيونها الزرقاء ذات البشرة البيضاء. و كان دوماً يحيرني سؤال كيف تركها أهل البلدة تنزف دمها ، وهربوا تاركينها لمصيرها  إلى أن عاد، و كما أذكر من حكاياتها التي كانت ترويها لنا ، والدي ، و حملها من أسدود إلى غزة ، إلن أن سمير أخي يصحح و يقول " والدنا حملها لبضع كيلو مترات عل ظهره حتي المجدل ولم يستطع الإكمال، وبقيت  في المجدل لمدة سنه وبعد ذلك رحلها الاسرائيليون إلى غزة مع المئات من الذين تشبثوا بالارض وأكملت علاجها في مستشفي تل السكن بغزه.

أي أن والدك بالتحديد لم يتركها وأمن عليها عند أهل المجدل لوجود مستشفي وكانت تنزف". لك الرحمة يا ثريا العبدسية ، و قد كنت فعلا أجمل ثريا "فقرية عبدس القريبة من أسدود مسقط رأسها " و لثريا حكاية أخرى طريفة فعندما توفى جدي عبد الجواد ، و أثناء دفنه وقفت ثريا و أعلنت للحضور  أنها حامل في شهرها الثالث حتى لا تأكلها الإشاعات لاحقاً و هي جميلة البلدة ، و عندما وضعت والدي بعد ستة أشهر أسمته عوض عِوَضاً عن والده عبد الجواد. و أما الحكاية الثانية أنه عندما  قرر كل رجال و أهالي أسدود الرحيل  إلى غزة تصدى لهم عمي عبد الله زقوت "أبو نجم" الذي كان في حينه شيوعياً في عصبة التحرر الوطني ،مشهراً سلاحه عليهم كي لا يرحلوا و لم يستمع إليه أحد ، فرفض أن يلتحق بهم ، و كي يجبروه على المغادرة أخذوا معهم زوجته ، و لم يغير ذلك من موقفه ، مما اضطرهم ذلك لإعادتها له بعد فترة وجيزة ،أبو نجم ظل في البلدة و منها تجمع مع آخرين في المجدل ، و اعتقل و نفي و منع من الاستمرار في سلك التعليم و فرضت عليه الإقامة الجبرية سنوات الحكم العسكري، و استقر مجبراً في مدينة الرملة التي عاش فيها و انجب حتى وفاته ، و كل ابنائه و بناته اليوم يعيشون في الرملة و الناصرة و عائلتهم الممتدة أصبحت أكثر من ثلاثين شخصاً إن لم يكن أكثر.

وأما الحكاية الثالثة و التي رواها لي الجميل محمد أبو خالد البطرواي رحمه الله قبل وفاته بأعوام قليلة، فأبو خالد كان أيضاً من عصبة التحرر و كان قد ذهب لمنطقة الخليل أثناء حرب النكبة ، و كان يتنقل بين عدد من المناطق يبدو أنها في مهمات للعصبة ، و في إحدى هذه التنقلات كان عليه أن يذهب إلى غزة ، و كان ينتظره والدي في منطقة شرق الشجاعية ، و يروي أبو خالد بأنه عندما رأي عوض يلبس شيئا يشبه البالطو و كان قد صنعة من بطانية لتقيه من البردالقارس ، و لحيته غير محلوقة كما تعود أن يراه في أسدود ، و يتابع " في تلك اللحظة شعرت و تيقنت أن ما يجري لفلسطين و ناسها هي النكبة التي رأيتها في وجه عوض و لباسه !"لروح جدتي ثريا و لوالدي عوض أبو بشير و عمي أبو نجم و لأبو خالد الرحمة و الذكري الباقية في رائحة تراب و حجارة و بيارات إسدود، و هي حتماً لن تموت !