إمش جمب الحيط

17/05/2019

كتبت: اسماء سلامة


من موروثاتنا السلبية التي تزرع في أنفسنا روح الاستسلام والانهزام ، وتغرس في عقولنا الهروب من المواجهة ، وكأن في المواجهة هلاك . والركون إلى الانقياد المستفز يمنحنا السلام .

أنت تختار طريقك فقط ، ولا سلطة لك على ما سيواجهك فيها ، مشيت على الطريق الاعتيادي ، أو جمب الحيط ، لن تسيطر على ما سيقابلك ويعترض طريقك ، إذا فكرة الهروب والمشي في المنعزل ، لن تعطيك الأمان الذي تتوقع ولا السلام الذي تنشد .

نعيش في بعض الأحيان تناقضات غريبة، ينصح البعض غيره بالابتعاد عن المشاكل، وعدم المواجهة ، وتجنب ردود الأفعال العنيفة ، وحتى عدم إبداء الرأي في الأمور الحياتية المهمة والقضايا التي تمس صلب الحياة . لأن ذلك يجلب المشاكل ، ويثير الآخرين ضدهم ، يعني ( وجع راس على الفاضي ) . وأن الحل الأمثل هو النظر من بعديد لمجريات الأمور ، ومراقبة التطورات ، وفي النهاية سيصلنا ما علينا معرفته ، وننفذ ( من ثم ساكت ) . وفي الجهة  المقابلة يتم انتقاد الوضع العام ، والشكوى من عدم التغيير ، وكان الأمور تتغير من تلقاء نفسها ، أو نظل ننتظر الفارس المغوار الذي سيأتي بالعصا السحرية ومعه الحلول المثلى لكل القضايا العالقة .

وُهبنا عقلاً لنكون مختلفين عن باقي مخلوقات الأرض ، وأساس هذا الاختلاف هو التفكير ، وإلا فما الذي سيميزنا عن ذلك القطيع الذي يساق على غير هدى ، يمين يمين ، يسار يسار . هل تعتقد أن اتفاقك مع كل يا يقوله ويفعله الآخرون سيضعك في خانة الحماية أم سيجعلك تنام هادىء البال قرير العين ، هل سيرك ( جمب الحي ) سيجنبك فعلاً عوائق الطرق الأخرى ؟ ماذا لو وقع عليك هذا الحائط ، وكان سبباً في دمارك وانت الذي اتخذت منه وسيلة للحماية . يعجبني التعبير المستخدم أحياناً ( معترك الحياة ) فالحياة فعلاً معركة ، نستعد ونضع الخطط نهاجم وندافع ، نجرح ونتألم ، نهادن ولكن لا نستسلم .   مرحلة الهدنة هي مرحلة إعادة ترتيب الأوراق وتغيير الخطط ولكنها ليست نهج حياة .

لنقرأ التاريخ ونرى الأمم التي بنت مجداً ، هل كان شعوبها ( يمشون جمب الحيط ) ؟ . بل هدموا جدرانا من الظلم والاستبداد والقهر ،وأسسوا  من حجارتها مجتمعات ضربت أروع الأمثلة في الرقي والتقدم . وكانت قدوة ومثالاً تبعه غيرهم لفترات طويلة . كانت تجاربهم عبراً تدرس عبر التاريخ .

هدم الفرنسيون بثورتهم حائط الإقطاعية وأسسوا نظاماً قام على المساواة والإخاء والحرية ، وهدم شعب الاتحاد السوفييتي نفس الحائط بعدهم بما يقارب القرن . وتصدرت مبادئ هذه الثورات إلى العالم ( تركيا ، إيران ، كوبا والصين ) .

ليس المقصود بالضرورة الثورة بمعناها الحرفي وما طبع في تصورنا عن مفهوم الثورة مما قرأنا في كتب التاريخ ،  بما فيها من التمرد والخروج للشوارع والحرق والهدم والاضطرابات . بل ما أعنيه هو الثورة الداخلية على مستوى الفكر ، وترجمته إلى سلوك ، الثورة على ما تراكم في أذهاننا ومعتقداتنا من سلبية وانهزامية ولامبالاة لما يجري حولنا . فوصلنا إلى مرحلة من التسليم بالأمر الواقع و القناعة باستحالة التغيير ، وبات حديثنا عبارات هي قمة في التشاؤم والانكسار : ( شو الفايدة ) ، ( كلو ع الفاضي ) ، وبنينا لأنفسنا ( حيطاناً ) نمشي بجانبها خطينا عليها هذه العبارات .

إن كان لا بد من وجود هذه الحيطان ، فليكن ، دعوها ولكن ليس كدليل على الطريق ولكن لتبقى عنواناً لمرحلة مرت من العمر ، ننظر إليها كلما خفت عزيمتنا وأصابنا التعب نجلس في ظله ونلتقط أنفاسنا لنعود من جديد لطريقنا نحو مستقبل  نبني فيه -وطناً يحتضننا جميعاً برغم اختلافاتنا .

ولمن يقول لك : ( إمش جمب الحيط ) ، قل له : بل تؤخذ الدنيا غلابا .