تعديل قانون السلطة القضائية وتشكيل مجلس أعلى انتقالي.. إهانة للقضاء واستهانة به

18/07/2019

كتب: عزت الراميني*

إثر إصدار القرار بالقانون المعدل لقانون السلطة القضائية، وتشكيل مجلس انتقالي للقضاء، فإنني هنا أريد التأكيد على أنني ادافع عن السلطة القضائية والقضاء، وليس عن وظيفتنا القضائية، لكون ما تم من اجراءات بهذا الصدد، أثارت الاستغراب والاستهجان، وتشوبها علامات الاستفهام والريبة، لخلو ما تم إقراره من غياب تام لفلسفة التشريع ومنطقه، وخلوه من حالة الضرورة التي لا تحتمل التأخير أو التأجيل، وفقا لما نصت عليه المادة 43 من القانون الاساسي، التي اعطت صلاحيات اقرار القوانين لفخامة الرئيس في ظل غياب المجلس التشريعي.

كان من الأجدر والأصوب، السعي نحو اعداد رؤيه متكاملة يتفاعل فيها مختلف اطراف اركان العدالة، وذوي الشأن من السادة القضاة للاصلاح المنشود في القضاء، لا أن يتم ذلك في العتمة خلافا لنصوص القانون الاساسي باعتباره القانون الأعلى، الذي يحدد القواعد الاساسية لشكل الدولة ونظام الحكم وشكل الحكومة وينظم عمل السلطات الثلاث، التنفيذية والتشريعية والقضائية، من حيث التكوين والاختصاص واعمال مبدأ الفصل بينها، وحدود كل سلطة منها والواجبات والحقوق الاساسية للافراد والجماعات ويضع الضمانة لكل ذلك، وهو ما يقود الى انصياع المشرع سواء كان صاحب الاختصاص الاصيل بالتشريع، وهو المجلس التشريعي، او فخامة الرئيس في حال غياب السلطة التشريعية او حتى السلطة التنفيذية عند تفويضها بعمل الانظمه واللوائح بالتقيد باحكام الدستور، وعدم تجاوزها باعتبار ان لا سلطة مطلقة بل سلطات مقيدة باحكام الدستور والمبادئ الدستورية.

وانني ارى والعديد من زملائي الذين فوضوني بالحديث نيابه عنهم، بأن التعديل الذي تم ما هو الا نيل من الضمانات الدستورية، ونيل من استقلال السلطة القضائية، والتي هي ضمانة للمواطن قبل القاضي، وان حالة اللهاث والمباغته في اصدار هذا القانون مع بداية العطلة القضائية، نرى ان ذلك قد اتى على خلاف المصلحة العامة، وعلى خلاف مبدأ الفصل بين السلطات، وضربا من ضروب النيل من استقلال القضاء وسلطته، كأحد اركان النظام السياسي.

وامعانا في ذلك، تم التعديل في ظل غياب وتغييب رأي مجلس القضاء الاعلى لهذا التعديل، مما يفقده صفة المشروعية ويوصمه بشبه مخالفة الدستور، ويحمل في طياته سبب بطلانه، خلاف ما نصت عليه المادة 100 من الدستور، التي جاء فيها (ينشأ مجلس قضاء أعلى ويبين القانون طريقة تشكيله واختصاصاته وقواعد سير العمل به، ويؤخذ رأيه في مشروعات القوانين التي تنظم أي شأن من شؤون السلطة القضائية، بما في ذلك النيابة العامة).

وحيث أن مجلس القضاء الاعلى، وبعد لقاء رئيسه المستشار عماد سليم، أبلغني بأنه لم يعرض عليه ولا على اعضاء المجلس صاحب الاختصاص في الدفاع عن استقلال القضاء والمحافظه على حرماته واننا اذ نعتبر ما تم اهانه للقضاء واستهانه به وهدرا لمبدأ الفصل بين السلطات واستقواء بالدستور على الدستور.

إن تنزيل سن التقاعد الى ستين عاما، يتعارض مع المبدأ الدستوري الذي اكدته المادة 99 من الدستور بفقرتها الثانية، والتي نصت على (القضاة غير قابلين للعزل الا بالاحوال التي يجيزها قانون السلطه القضائيه ) والتى حددها قانون السلطه القضائيه بحكم قضائي يصدر عن مجلس التأديب وان تخفيض سن التقاعد هو عزل للقاضي خلاف القانون.

إننا كقضاة سندافع عن استقلال السلطة القضائية بالحق تحقيقا للعدل غاية كل مظلوم، اذ لا عدل يرجى ويرتجى من قضاء غير مستقل تتهدم اسواره تحت سمع وبصر الجميع، ويشارك في الهدم للاسف قضاة تم استخدامهم كمعاول هدم لسلطتهم القضائية، باستجابتهم لاملاءات السلطه التنفيذية، ونكوصا عن القيم القضائية باخراج كافه زملائهم الى التقاعد القسري خلاف القانون، ومن خلالهم يتم الحاق حل مجلس القضاء بحل المجلس التشريعي في لحظة حرجة بالمعنى السياسي تحيق بالشعب الفلسطيني وسلطته الوطنية لنقوم بانفسنا بتقويض سلطة القضاء وهدم احد اعمدة نظامنا السياسي، لتتفرد السلطه التنفيذية بالهيمنة على باقي السلطات، تفك وتركب القضاء وفق ما تشاء بخفة، قل نظيرها حتى في الدول الشمولية سيئة الصيت.

ازاء ذلك كله فانني اطالب بإلغاء هذا القانون والعودة الى المعايير الدولية بآلية اصلاح القضاء ومنظومة العدالة، وفق القواعد العلمية التي اعتمدتها غالبية الدول التي نحت لهذا المنحى بالاصلاح.

*قاضي المحكمة العليا سابقا