حل مجلس القضاء الأعلى؛ تعديل دستوري على خلاف الدستور.. ماذا بعد؟

20/07/2019

كتب محمد الخضر*

ليس من المبالغة القول بأن قرار حل مجلس القضاء الأعلى يؤسس لمرحلة دستورية جديدة في صراع السلطات، وهو بالتأكيد تغيير جوهري  لقواعد اللعبة، وهو تعديل دستوري، غير دستوري، وفقا للغة التي يفهمها أهل القانون رغم عدم اكتراثهم بذلك، وترحيب معظمهم على خلاف أبسط قواعد علم السلطات، ودولة القانون.

التغيير الأساسي السابق كان عندما قرر الرئيس، خلافا للدستور، إعلان موت السلطة التشريعية سريريا، وممارسة صلاحياتها بدءا من التشريع، وليس انتهاء بتجاوز مبدأ البرلمان سيد نفسه، ورفع الحصانة والتحقيق مع أعضائها. وليس قرار أعضاء الدستورية الجديد إلا تساوق مع هذه الحالة، ولا شك أن التمترس بالسلطة طوال الفترة السابقة ساعد بسهولة على اتخاذ قرار تحمل تبعات إلغائها على المستوى المحلي والدولي.

الحال مع السلطة القضائية ليس أفضل، السلطة التنفيذية تقرر اليوم ببساطة تبعات إلغائها. بمخالفة صريحة لنصوص ومبادئ الدستور، ودون وجود أدنى صلاحية أو اختصاص، يقرر الرئيس منفردا حل مجلس القضاء الأعلى، وتعيين مجلس انتقالي ليس له أساس في القانون أو الدستور، والحجة هي الإصلاح. السلطة القضائية، قبل حل مجلسها، أعلنت مرارا وتكرارا انحيازها للرئيس، وقدمت أكثر مما هو مطلوب منها، سواء للرئيس نفسه أو لرئيس وزرائه أو حتى لرؤساء أجهزته الأمنية، حتى أصبح هذا موضوعا للتندر عند الحديث عن استقلال السلطة القضائية، ولم يعد ترديد هذا القول يعني شيئا لسامعيه.

من جديد، يعلن الرئيس منفردا تغيير قواعد لعبة السلطة، بحيث يقرر أن السلطة القضائية، طبعا الحديث هنا عن أعضائها في الغالب، أصبحت عبئا عليه، هو لم يعد بحاجة لها ولا لانحيازها له، هو يريد تغيير قواعد اللعبة الدستورية في مواجهة أفراد هذه السلطة، هو ليس مدعوم دستوريا بأي صلاحية أو اختصاص، هو مدعوم فقط بمواقف أصحاب الياقات من نخب مؤسسات المجتمع المدني، هم مقتنعون أن هذا يشكل إصلاحا، وفي نفس الوقت يعرفون أن هذا يشكل خروجا فاضحا غير مسبوق على القانون الأساسي ومبادئ دولة المؤسسات.

رئيس مجلس القضاء الأعلى الانتقالي هو شخص مخضرم، هو بالتأكيد شاهد على كل تفاصيل المرحلة، هو يعلم وزملاؤه أن تعيينهم تم على خلاف الدستور الذي أقسموا على احترامه، لكن، هم مضطرون للقبول بالمهمة، على الأقل، هم من تم اصطفاؤهم، هم حتما أساؤوا التقدير عندما قبلوا وارتضوا لأنفسهم مهمة مستحيلة، مهمة الإصلاح، لكن بدون شرعية دستورية.

لا يوجد إصلاح دون شرعية وتفويض دستوري، ودون إعلان مبادئ تحكم هذه العملية، والمبادئ بحاجة لخارطة طريق، ومؤسسات مستقلة للفصل في المنازعات التي ستثور خلال تطبيقها. رئيس المجلس الانتقالي وأعضاؤه يقبلون المهمة وظهرهم مكشوف للسلطة التنفيذية، القوية جدا، وفي نفس الوقت لا يوجد مبادئ ولا مؤسسات دستورية ولا خارطة طريق للوصول إلى شيء، وهذا يعني أنه لن يتم الوصول إلى شيء. هي إذا حالة من العدم، سيكون ضحيتها ما تبقى من أمل في أفراد ومؤسسة القضاء، وأي مستقبل لدولة القانون والمؤسسات.

المواطن من هذا كله ماذا يريد؟، هو لا يهمه مجلس دائم أو انتقالي، هو يريد أن يعيش في دولة القانون، التي يحكمها الدستور الذي يحمي حقوقه وحرياته، ومن حقه أن يعرف مصيره، إذا ما قدر وكان عليه ظلم من السلطة، هل يوجد قضاء مستقل قادر على إنصافه؟ أو إذا كان له حق مدني عند أحد هل يستطيع اللجوء إلى القضاء فعال ويستعيده بسرعة؟ وهل يوجد نظام عدالة يمنع وقوعه ضحية اعتقال تعسفي؟ وإذا وقع هل هناك قضاء محايد يعيد له حريته؟ وأخيرا، هل سيحتفظ بإنسانيته بوجود محاكمة عادلة وقضاء نزيه إذا وجهت له تهمة خلافا للقانون؟

الحالات السابقة جميعها ليس عليها إجابات في التعديل الدستوري الجديد، ولن يكون من السهل على المجلس الانتقالي كما هو حال المجالس السابقة جميعها، الإجابة عليها، لأن المجلس ببساطة ليس اللاعب الوحيد، ليس اللاعب الأقوى، ليس بالتأكيد صاحب القول، بل هو الحلقة الأضعف، هو فاقد للشرعية الدستورية، ومشكل على خلاف القانون ومبادئ الحكم الرشيد، وهو من ستوجه له سهام الإخفاق في النهاية.

إذاً سيكون السؤال، من الضحية القادمة؟ من يقرأ التاريخ يعرف بالتأكيد أنها ما تبقى من مؤسسات مدعومة بالحق الطبيعي في تشكيل الجمعيات والنقابات والاتحادات، لأنها آثار ما تبقى من نظام دستوري، بالرغم من تساوق نخبها مع السلطة التنفيذية، واستدعائهم لسلطتها وتصفيقهم لها في كل مناسبة، وهم يعلمون أنهم يستعملون، وسيواجهون مصيرهم حتما، وعليهم أن يخشوا من اليوم الذي يصبحون فيه الحلقة الأضعف، وأن يقدموا قرابانا لإصلاحات الكل يعرف أنها كلمة حق.

 

*باحث بالقانون الدستوري