حمدي فرّاج يكتب لـوطن: عن المستشفى الامريكي وحوار الطرشان

02/12/2019

أثارت قضية المستشفى الامريكي في غزة موجة معقدة من الجدل والخلاف وصلت عند حدود التخوين ، من انه سيكون قاعدة للموساد ، ومن الواضح انها لن تنتهي عند هذا الحد ، بل ستتعداه لتطول ما هو أكثر تعقيدا ، كإلغاء الانتخابات المزمعة ، على سبيل المثال.

لا تبدأ قضية المستشفى من عند المستشفى ، ذات التخصصات السبعة عشر ، و لا من عند حاجة الناس الملحة الى الاستشفاء عندما يمرضون والطعام عندما يجوعون والاسترخاء عندما يتعبون والدمع عندما يحزنون والدفن عندما يموتون . بل انها بدأت منذ تم حصارها وحشرها بين معبرين ، احدهما اسرائيلي والثاني يفترض ان يكون عربي ، هذا الحصار الذي امتد الى ما يزيد على اثنتي عشرة سنة ، طال كل احتياجات الناس ، تخلله اربعة حروب ، ردمت فيها البيوت على سكانها والمدارس على طلابها والمستشفيات على نزلائها ، وفتحت فيها الاف القبور ، هذا الحصار دفع الناس للنزول تحت الارض فامتهنوا حفر الاف الانفاق ، حتى تفتقت العقلية القمعية ببناء جدران حديدية تحت أرضية ، ثم اغراق الانفاق بالمياه ، ثم عقوبات أخوية كان لها وقعها الاصعب على قلوب الناس المثقلة بالهم والغم والالم.

هل فعلا بدأت المسألة من عند الحصار قبل اثنتي عشرة سنة ام من عند انقلاب "اسرائيل" على السلام ، الذي اودى بمطار "عرفات" في رفح ثم بعد بضعة سنوات بعرفات نفسه محاصرا في مقاطعته برام الله.

لكن صعوبة الوضع الانساني في غزة ، وبالطبع ولا في اي مكان آخر من الاراضي المحتلة ، يبرر لأحد كان ان يسمح باستغلاله لتحقيق اغراض سياسية مرفوضة ومشبوهة بما في ذلك بناء مستشفى ترامبي ولا حتى مسجد على الطريقة النابليونية في مصر المحروسة ، اذا كنا سنعتقد انه سيكون لبنة صغيرة في جدار الصفقة الخطير . فماذا حينها سنقول  للمقاومين الذين يحملون ارواحهم على أكفهم ؟  ماذا سنقول لاسير يكاد يفقد حياته في أقبية التعذيب : لا تصمد حفاظا على جلدة رأسك ؟  ماذا كنا لنقول لالاف الفتية الذين يرشقون الاحتلال بالحجارة : الحجر لا يواجه الدبابة والكف لا تجابه المخرز ؟

وحتى الجهاد الاسلامي – في حدود معرفتي -  لم تقل انها على توافق بشأن تفاهمات هذه المستشفى ، في حين قالت كل الفصائل شيئا من هذا القبيل ، صحيح ان بعضها قال حقا بلسانه ، في حين تقف أقدامها في الطين ، وهل ينتظر الموساد مستشفى لكي يمارس فيه عمله ، او امريكا لتكون المستشفى قاعدة عسكرية لها ، والوطن العربي من محيطه الى خليجه مرتعا لها.

اوقفوا الانقسام ، الذي شجع "اسرائيل" استفحالها في فرض الحصار بالعصا "تقتيل وتجويع" مرة ، وبالجزرة الخليجية "اموال" ، والامريكية "مستشفى" مرات. اوقفوا الانقسام لتستطيعوا مناقشة قضايا الشعب بقلوب منفتحة وعقول متقدة . اوقفوا الانقسام يتم وقف التنسيق الامني  ووقف المستشفى.

إلتقى أطرشان ، سأل الاول الثاني : هل ذاهب انت الى السوق ، فرد الثاني : لا والله ، انا ذاهب الى السوق . فقال الاول : كنت اعتقد انك ذاهب الى السوق.