تحقيق لـ"وطن" يكشف: مخالفات خطيرة في مراكز أشعة بالضفة تهدد حياة الفنيين والمرضى

27.05.2014 12:35 PM

وطن - تحقيق شيرين الفار

كشف تحقيق صحافي استقصائي لوطن عن وجود مخالفات خطيرة في مراكز الأشعة الحكومية والخاصة في الضفة، أدت إلى تضرر عدد من فنيي الأشعة والمرضى، ومازالت تهدد عددًا آخر يرتادها ويعمل بها.

ورغم وجود نصوص قانونية واضحة بالنسبة لشروط عمل هذه المراكز، إلا أن المخالفات تصل حد الظاهرة فيها، ما يدل على تقصير واضح للرقابة الرسمية عليها.

 

لمشاهدة التحقيق كاملا :-

 

" طفح جلدي مزمن"

لايزال خالد (اسم مستعار) وهو فني أشعة في الثلاثينيات من عمره، يعاني من حساسية وطفح جلدي في وجهه وجسده منذ سنوات طويلة، نتيجة غياب الإجراءات الوقائية ووسائل الحماية داخل مركز الأشعة الذي عمل فيه سابقا، التي تمثلت بوجود جهاز "بورتابل" متنقل وعدم وجود ترصيص كاف داخل غرفة الأشعة كما يقول "ظهرت لدي حساسية بعد 3 او 4 شهور تقريبا من العمل، وذهبت إلى أكثر من طبيب لمعرفة سبب ظهورها، واختلف تشخيص حالتي بين طبيب وآخر فأحدهم قال لي إنها حساسية ربيعية".

وتابع  خالد الذي لاتزال الحساسية الجلدية والاحمرار يبدوان واضحان على وجهه، قوله: بعد فحوصات عديدة أجريتها تبين أن الحساسية التي أعاني منها جاءت بسبب عملي في مجال الأشعة، خاصة أنني لم أكن أرتدي أي ملابس وقائية أثناء العمل، وهذه الحساسة لا يمكن زوالها إلا بترك العمل في مجال الأشعة، لكن للأسف، لا أستطيع ذلك.."
ذلك لم يكن السبب الوحيد فقط لإصابته بالحساسية الجلدية...

فالجهاز الذي كان يستخدمه خالد لتصوير المرضى لم يكن جهازا ثابتا وإنما متنقلا أو كما يسمى في المصطلح العلمي "بورتابل" وهو جهاز يمنع استخدامه حسب القانون في مراكز الأشعة؛ بسبب الخطورة التي يشكلها على حياة فني الأشعة والمريض إذ "يقتصر استخدامه فقط داخل أقسام المستشفيات وتحديدا داخل اقسام العناية القلبية الحثيثة وأقسام الخدج وغرف العمليات التي لا يستطيع مرضاها الحركة"  وذلك حسب المادة (25 البند 5) من نظام ترخيص ومراقبة مهنة الأشعة.
ومن هنا انطلقنا في هذا التحقيق الذي استمر قرابة أربعة شهور، لمعرفة مخاطر هذه الأجهزة، وأماكن انتشارها، وللبحث عن مخالفات أخرى موجودة في مراكز الأشعة ومعرفة إن كانت الجهات المختصة تقوم بدورها في مراقبة هذه المراكز أم لا؟

 

أجهزة مخالفة

خلال بحثنا المستمر لشهور عديدة، تبين أن لجهاز "البورتابل" مخاطر عديدة على حياة فنيي الأشعة وحياة المرضى،  بسبب كمية الأشعة المنبعثة من هذا الجهاز، كما بين لنا نقيب التصوير الطبي في محافظة الخليل وبيت لحم رامي الخضور، بقوله، إن "خطورة هذا الجهاز في أنه لا يحتوي على لواقط للأشعة، بالتالي تكون كمية الأشعة المنعكسة على المريض كبيرة".

وأضاف: يضطر فنيو الأشعة عند استخدامهم هذا الجهاز إلى التواجد قربه، على عكس الأجهزة الثابتة التي يتواجد فيها فنيو الأشعة خارج الغرفة أو خلف جدار سميك، بالتالي يتعرضون لكمية كبيرة من الأشعة، التي قد تسبب أمراضًا سرطانية ومحروقات وتقرحات جلدية.

وفي العادة لا يتعدى وضوح الصور الناتجة عن أجهزة "البورتابل" (30- 40)%، ما يضطر فني الأشعة إلى إعادة الصورة أكثر من مرة للحصول على واحدة أوضح حسبما قاله لنا أخصائي الأشعة وتشخيص الأمراض البروفيسور وليد عجعج.

وأوضح عجعج أن  "السبب الرئيس لمنع استخدام أجهزة (البورتابل) هو أن الصور التي نحصل عليها تكون غير واضحة فنضطر إلى إعادتها مرة أخرى، وهنا يصبح بدل الجرعة الواحدة جرعتان للمريض، أو قد نضطر إلى زيادة الجرعة كي نحصل على صورة واضحة".

وبناء على ذلك فإن زيادة حجم الجرعة أو تكرار إعادة الصورة يسهم في زيادة المخاطر الصحية على حياة المريض، حيث أن الجرعة الطبيعية من الأشعة التي يسمح للإنسان العادي بالتعرض لها، هي 5 "ميليسيفرات" سنويًا، أي ما يعادل 50 صورة أشعة في السنة، بالتالي فإن زيادة كمية الجرعة أو تكرار إعادة الصورة سيسهم في تقليل حجم الصور المسموح بها للمريض سنويًا، بالتالي سيجعله أكثر عرضة للأمراض السرطانية والجلدية.

ومن خلال المعلومات السابقة التي جمعناها، كان من السهل علينا معرفة العلاقة بين الإصابة التي تعرض لها خالد وبين أجهزة "البورتابل".

وعلى مدار شهور التحقيق قمنا بتتبع المراكز الخاصة التي تستخدم  أجهزة "البورتابل"، فوجدنا أن عددها سبعة مراكز تتواجد جميعها في محافظة الخليل.

 

81 مركزا خاصا مخالفا في الضفة

من خلال زيارتنا لمراكز في مناطق عدة من الضفة الغربية، تبين لنا وجود 81 مركزا خاصًا مخالفًا من المجموع الكلي البالغ 117 مركزًا خاصًا. وأن معظم هذه المخالفات تتواجد في محافظات الجنوب؛ حيث بلغ عدد المراكز المخالفة فيها 32 مركزًا مقابل 21 مركزًا في الشمال و28 مركزًا في الوسط.

داخل أحد المراكز المخالفة التي قمنا بزيارتها في محافظة الخليل تحدثنا مع فني أشعة وهو في العشرينيات من عمره، فأخبرنا بحرقة وقلق شديدين عن مخاوفه المستمرة من احتمالية إصابته بالسرطان، جراء عدم وجود حماية كافية له داخل المركز الذي يعمل فيه منذ قرابة العامين.

وقال "أكثر خطورة أواجهها كفني أشعة هي عدم وجود حماية كافية لي أثناء العمل،  سواء من ناحية الغرفة أو الجهاز المستخدم، فالغرفة التي أعمل بداخلها غير محمية ولا يوجد فيها (ترصيص) وفيها تسريب". 

وتابع فني الأشعة: أشعر في أحيان كثيرة أنني أريد التوقف عن العمل بسبب مخاوفي المستمرة، لكنني أعود وأستمر في عملي وأسلم أمري لله.

وتنص المادة (7) من نظام مزاولة مهنة التصوير الطبي، على ضرورة أن يكون سمك الرصاص في غرفة الأشعة "2 ملم" بارتفاع مترين و20 سم،  إلا أن مراكز عديدة مخالفة لا تلتزم بهذه الشروط؛ ما يشكل تهديدا على حياة فنيي الأشعة والمراجعين من المرضى.

في مركز آخر، وجدنا نوعا آخر من المخالفات  يتثمل في عدم  استخدام فيني الأشعة جهاز قياس الرصد الإشعاعي (Film Badge)، الذي يعتبر شرطا من الشروط الرئيسة لعمل المراكز، إذ يقيس مدى التسرب الإشعاعي الذي يتعرض له فنيو الأشعة خلال فترة زمنية معينة، عادة ما تكون بين شهرين أو ثلاثة، بحيث  لا يجوز أن يتعرض  لأكثر من 20 "ميليسفرات" سنويًا.

وعندما سألنا فني الأشعة الذي يعمل في المركز عن وجود هذا الجهاز، بدا التوتر والارتباك واضحًا على وجههه وصوته حيث أخبرنا بنبرة مترددة "للأسف لا يوجد لدينا هذه الجهاز، لأن المركز غير مرخص".

أما مدير المركز، فكانت إجابته مخالفة تمامًا، حيث أخبرني وبكل ثقة أن الجهاز "موجود في المركز لكن فني الأشعة الذي كان يعمل سابقا لم يعطه لفني الأشعة الجديد"، مؤكدًا أن الوزارة تأتي وتقوم بعمل قراءات دورية للجهاز.

ولكن..

حسب المعلومات المتوفرة، تبين أن ما ذكره مدير المركز غير صحيح، حيث أن أحد أهم الشروط الرئيسة لترخيص المراكز من قبل وزارة الصحة، وجود جهاز قياس الرصد الإشعاعي، وفي حال عدم وجود ترخيص لا تقوم الوزارة بمنح العاملين هذا الجهاز.
بدوره، قال عضو نقابة التصوير الطبي مراد عوض، إن عدد المراكز التي لا تحتوي على هذا الجهاز يقارب 50 مركزًا، مضيفًا أن "النقابة راسلت وزارة الصحة بهذا الخصوص أكثر من مرة".

 

مراكز بلا فنيي أشعة

في بعض المراكز المخالفة التي قمنا بزيارتها، تبين أن الذين يصورون المرضى معظم الوقت ليسوا فني أشعة، إنما أشخاص آخرون.

في إحدى قرى محافظة رام الله، دخلنا أحد المراكز بحجة أننا نريد إجراء صورة أشعة. وأثناء انشغال أحد أفراد طاقم التصوير بأخذ صورة أشعة وهمية تحدثت، مع عاملة النظافة في المركز وسألتها عمن يقوم بتصوير المرضى فاجابت "حمزة" وكانت تقصد فني الأشعة، تابعت الحديث معها وسألتها: في حال غياب حمزة من يقوم بتصوير المرضى؟  فقالت بلهجة عامية (الممرضة بتصورهم، وهي بتعطي إبر للحوامل وبتولدهم". 

ما عثرنا عليه في هذا المركز لم يكن حالة فردية، فمن خلال المعلومات التي جمعناها تبين أن عدد المراكز التي لا يعمل بها فنيو أشعة تبلغ  13 مركزًا في الضفة.

نقيب التصوير الطبي السابق د.حميدان الزعارير اكد لنا انه ارسل عدة كتب إلى وزارة الصحة لمتابعة هذه المخالفات ولكن دون جدوى، وبين ان الخلل هو بسبب وجود موظف واحد فقط في وحدة الأشعة التي تتولى مسؤولية متابعة ومراقبة المراكز المخالفة في شمال ووسط وجنوب الضفة الغربية.

 

مخالفات حكومية

المفاجأة الكبرى كانت أثناء إعدادنا لهذا التحقيق، حيث  اكتشفنا أن المخالفات لا تقتصر فقط على المراكز الخاصة، إنما توجد في المراكز الحكومية أيضًا أي لدى الجهة التي يفترض أن تلتزم بما تنص عليه القوانين.

في محافظة بيت لحم عثرنا على ثلاثة مراكز صحية تابعة للحكومة في كل منها غرفة أشعة تحتوي على أجهزة "البورتابل المخالفة"، وبذلك يرتفع عدد المراكز التي توجد فيها هذه الأجهزة إلى 10 مراكز، ثلاثة منها في القطاع الحكومي.

وعند سؤالنا لمدير عام الرعاية الصحية الأولية  أسعد الرملاوي، عن سبب وجود هذه الأجهزة المخالفة في المراكز الحكومية، أكد أن استخدامها "يقتصر فقط على الحالات الضرورية والطارئة بحيث لا تزيد عن 8-    10 صور شهريًا".

إلا أنه ومن خلال المعلومات التي جمعناها، تبين أن  المراكز الحكومية الثلاثة تقدم خدمة التصوير الطبي لأعداد كبيرة من المرضى؛ حيث بلغ عدد صور الأشعة  اليومية في أحد هذه المراكز  لشهر تشرين أول/ نوفمبر عام 2013 (106) صور وهو ما يناقض الأرقام التي تحدث عنها الرملاوي.


تصريحات متضاربة

بعد عثورنا على هذه المخالفات في المراكز الخاصة والحكومية، توجهنا إلى وزارة الصحة، وهي الجهة المسؤولة عن مراقبة مراكز الأشعة؛ لمعرفة أسباب وجود هذه المخالفات واستمرار المراكز الخاصة المخالفة بالعمل رغم مخالفتها للقانون، فاعترف مدير وحدة الأشعة بــ"وجود تقصير واضح لدى الوزارة في ملاحقة المراكز المخالفة".
وعن أسباب وجود أجهزة "البورتابل" في المراكز الخاصة والحكومية قال حواري: حسب النظام والقانون لا يسمح بوجود هذه الأجهزة داخل المراكز الخاصة والحكومية، ويقتصر استخدامها داخل أقسام المستشفيات.

وأضاف أنه "إذا كان بعض هذه الأجهزة موجود في المراكز الخاصة يتم اتخاذ الإجراءات القانونية لإغلاق هذه المراكز".

بينما كان لمدير عام الرعاية الأولية أسعد رملاوي،  رأي مخالف، حيث نفى وجود أي مشكلة باستخدام هذه الأجهزة، مردفًا "هذه تعليمات وليست قانونا".

ونظرا للخلاف الواضح بين المسؤولين في وزارة الصحة قمنا بالاتصال برئيس قسم التصوير الطبي في الجامعة الأميركية أحمد أبو عرة، الذي قال "هذا الجهاز في المكان الخاطىء".

مضيفًا: لا يوجد حماية كاملة من الأشعة المنبعثة عن هذا الجاهز، لا لفنيي الأشعة ولا للمرضى، بالتالي هناك خطورة واضحة على صحتهم، ويجب أن يتم سحب جميع هذه الأجهزة من المراكز المخالفة فورًا.

 

مخاوف ونداءات

"إلى كل المسؤولين في وزارة الصحة نقول لهم نحن أمانة في رقابكم، نحن حياتنا مهددة بالخطر فإذا لم توفروا لنا السلامة الكافية والحماية، فإننا حتما سنؤول إلى نهاية واحدة ليس موت الفني فحسب وإنما موت عائلة الفني أيضا لأنها ستموت حسرة على ذلك" .

بهذه الكلمات لخص نقيب التصوير الطبي في محافظة الخليل وبيت لحم رامي الخضور، مخاوف 720 فني أشعة يعملون في القطاعين الحكومي والخاص؛ حيث يواجهون جميعا مشاكل عدة تتعلق بعدم توفير الحماية المطلوبة لهم داخل غرف الأشعة وخاصة من يعملون في المراكز الخاصة بسبب ضعف الرقابة الحكومية عليها.

جميع فنيي الأشعة الذين قابلناهم أثناء إعداد هذا التحقيق كانت لهم أمنية واحدة مشتركة "أن تصل  أصواتهم ونداءاتهم إلى كل المعنيين والمسؤولين كي يقوموا بما عليهم القيام به قبل فوات الأوان" .

 

تصميم وتطوير