مساحة عمل الحكومة لتحقيق المصالحة والانفكاك عن الاحتلال محدودة

15.04.2019 11:12 AM

رام الله- وطن: بعد أن أدى رئيس الوزراء محمد اشتيه واعضاء حكومته الثامنة عشرة، اليمين القانونية أمام الرئيس، وبقاء حقيبتي "الداخلية" و"الأوقاف" شاغرات الى اليوم، كيف ستكون حكومة اشتيه القادمة وماذا ستقدم؟

الكاتب والمحلل السياسي خليل شاهين، أكد أن المَعْلم الاساسي في الحكومة الجديدة هي أنها حكومة الرئيس، حيث أن خمس حقائب وزراية بقيت في ايدي وزرائها السابقين، بالاضافة الى حقيبتي الداخلية والاوقاف (هناك خلاف عليها الى الان)، وغالبا ستحسم وفق مايريده الرئيس ايضا.
واشار خلال حديثه لبرنامج "شد حيلك ياوطن"، إلى أن الاهمية تنبع من الشخص المرشح للوزارة ومدى قربه من الرئيس، فبعض المواقع والملفات هي المهمة وليس الاشخاص الذين يتولونها، وخاصة ان كانت ملفات يديرها الرئيس بشكل مباشر.

 

حكومة الرئيس والمفتاح بيده

 

واعتبر شاهين أن الاشكالية التي ستواجه رئيس الوزراء الجديد، أن مفاتيح اي عملية تغيير في السياسات الحكومية ليست متاحه بيده بل بيد الرئيس، فهناك وزارت وحقائب مرتبطة مباشرة بالرئيس، كوزارات الخارجية والمالية والإعلام.

وأضاف "وزارة الإعلام مثلا هي النموذج الأبرز الذي يجب ان يكون إحدى الادوات المتاحة للحكومة للترويج لسياستها، ووضع سياسة اعلامية متلائمة مع اي خطط تريد تنفيذها.

وأشار شاهين الى أنه لم يرَ من حيث التشكيلة الاساسية للحكومة الجديدة، ان هناك تغيرًا في المركبات الاساسية، بل في الشخوص فقط.

وتابع "منصب الوزيرهو منصب سياسي اكثر منه فني، المشكلة تكمن فيما اذا كان هناك امكانية لتغيير سياسات اتبعت خلال الفترة الماضية.

ومضى شاهين متسائلا " وزارة العمل تسلمها حزب الشعب الذي يناضل من اجل القضايا الاجتماعية وله موقف من قانون الضمان الاجتماعي،

فكيف سيتعامل وزير العمل مع موضوع الحد الادنى للاجور وتطبيق قانون العمل؟ هل يستطيع شخص الوزير بخلفيته اليسارية والأقرب للقضايا العمالية ان يُحدث تغييرًا ام لا؟ معبرا عن اعتقاده ان البيئة لا تسمح بذلك.

 

مساحة اشتيه في حكومته محدودة

 

وأكد شاهين أن المساحة المتاحة لاحداث تغيير تبعا لرئيس الوزراء هي مساحة محدودة جدا، فالملف الابرز الذي يواجه الحكومة الجديدة هو الملف المتعلق بالاحتلال، لدينا قرارات من "المركزي" و"الوطني"، ورئيس الوزراء اشتيه قال انه سيطبقها!!

وتساءل "من يعطل تنفيذ القرارات السابقة؟ سواء فيما يتعلق بملفات المصالحة والوضع المالي الداخلي ورفض تسلم باقي عائدات الضرائب؟"

مضيفا "الرئيس هو المسؤول عن تنفيذ السياسة الرئيسية، والحكومة هي حكومة الرئيس بالتالي عليها ان تنفذ سياسة الرئيس".

وأشار شاهين الى أن هناك تراجعا في دور المؤسسات باتجاه تعزيز طابع الحكم الفردي، الامر الذي يهدد امكانية العمل الجماعي التشاركي الذي يريده اشتيه، وتركيز المزيد من الصلاحيات في رأس الهرم الرئاسي ورئيس النظام السياسي الفلسطيني وهو الرئيس.

 

ما المفاتيح التي يمتلكها اشتيه للعملية التنموية؟

 

وعلق شاهين أن اشتيه لديه وزارة مالية ووظيفتها الرئيسية ان تدفع رواتب، ولديه وزارة اقتصاد وليست هي الطرف الذي يدير العملية الاقتصادية، بالكاد هي تستطيع ان تنظم الدورات الاقتصادية.

وتابع "لديه مجموعة من الهيئات خارج نطاق مسؤولية رئيس الوزراء بما في ذلك "بكدار" الذي كان هو يديرها ولا تتبع الحكومة، وجزء من هذه الهيئات تمت اعادة دمجها لتصبح جزءًا من دوائر منظمة التحرير، أي لم يعد لرئيس الوزراء امكانية للسيطرة عليها، اذن هو لا يستطيع التحرك الا في محيط صلاحيته في وزارة المالية".

وقال شاهين إنه يجب على اشتيه اذا كان يريد ان يغير الوضع الحالي أن تطلب اعادة نقاش حول اعادة توزيع الصلاحيات بين منصب رئيس الحكومة والرئيس.

 

تغيير العملة موضوع سيادي والانفكاك الاقتصادي لن يحصل في ظل الديون

 

وكشف شاهين عن ان المقدمات الحالية لا تشير الى ان هذه حكومة وحدة وطنية، هي حكومة أجزاء من منظمة التحرير والفصائل والشعب الفلسطيني وحكومة جزء من الجغرافيا الفسلطينية، بالتالي هي تستطيع ان تنجز على مقاس هذه الاجزاء والتجزئة والتفتيت.

وفيما يتعلق بحديث اشتيه حول البدء بالانفكاك الاقتصادي وتغيير العملة، قال إن العملة هي موضوع سيادي يتعلق بمدى قدرتك على ان تتحرر من الاحتلال ويصبح لديك احتياط واعتراف دولي بدولتك.

وأردف مستفهما "كيف يمكن ان تستصدر عملة وان تحدث تنمية وانت محمل بديون من صندوق التقاعد، وصولا الى الديون الاخيرة التي تضاف الى ديون السلطة المتعلقة برواتب الموظفين؟".

وقال "أضف الى ذلك الموضوع الاساسي وهو موضوع الاحتلال، كيف يمكن أن تتغلب على القيود التي تفرضها اسرائيل وانت تخرج من الاتفاقات الموقعة معها وخاصة اتفاق باريس، نشهد منذ اشهر قرارات للمركزي والوطني وعملية القاء لهذه القرارات واحالة تنفيذها  للدكتور اشتيه ليس عادلا".

 

وقف التنسيق الامني هو قرار تتخذه اللجنة التنفيذية فقط

 

وقال إن اللجنة التنفيذية باعتبارها المرجعية القيادية العليا للشعب الفسلطيني، هي المعنية باتخاذ القرارات وليس المناشدات، بمعنى القرار المتعلق بالعلاقة مع الاحتلال والتنسيق الامني هو قرار سياسي.

 

نجاح حكومة اشتية مرتبط بقدرتها على انهاء الانقسام

 

واشار شاهين الى ان نجاح اشتيه مرتبط بتمسكه بالموضوع الاهم في كتاب التكليف، وهو انهاء الانقسام، معادلة انهاء الانقسام معروفة، وهي ان تبدي حركة حماس استعدادا فعليا وليس لفظيا لإنهاء سيطرتها الانفرادية على قطاع غزة، مقابل انهاء الهيمنة الانفرادية على المؤسسات الوطنية على مستوى السلطة ومنظمة التحرير من قبل حركة فتح.

وتابع "على الحكومة الجديدة ان تعيد النظر في كل السياسات والاجراءات العقابية التي اتخذت بحق قطاع غزة، وأن تعيد ادماج قطاع غزة في العملية التنموية، وهذا هو المدخل من اجل التصدي لـصفقة القرن، ومحاولة فصل قطاع غزة وانشاء كيان زائف ومشوه، من اجل مواجهة سياسة تعميق الاحتلال والاستيطان وفصل الفلسطينيين عن بعضهم في الضفة وغزة."

 

يجب اعادة النظر بقانون الجرائم الالكترونية

 

وشدد شاهين على انه يجب اعادة النظر بالقوانين بقرار، التي سُنّت وخاصة فيما يتعلق بحرية الرأي والتعبير، وتوسيع مساحة حرية الرأي والتعبير في الحكومة من قبل رئيس الوزراء بإعادة صياغة العلاقة بين الحكومة والمؤسسة الأمنية والمواطن.

وأردف "اشتيه يريد ان يردم فجوة عدم الثقة"، مشيرا الى انه رغم ذلك، فالامور لا تتجه نحو بناء نظام سياسي ديمقراطي منفتح، وانما نحو استمرار الحالة السابقة وربما اسوأ.

وأكد على أننا "امام حالة من التراجع تدفع باستمرار من اجل تكريس ادوات الهيمنة والسيطرة، من ضمنها استخدام اساليب مكافحة التمرد والاحتواء للحراكات الاجتماعية، لكن علينا نحن خارج الحكومة ان نكون ضاغطين لمساعدة اشتيه من اجل اعادة النظر في قانون الجرائم الالكترونية".

 

عوكل: تشكيل الحكومة ليس موضع اهتمام بالنسبة للجمهور في القطاع

 

بدوره، قال الكاتب والمحلل السياسي من غزة طلال عوكل، إن المواطن في قطاع غزة غارق في أوجاع الحياة المعيشية، وفي الوقت الذي يطلب فيه الجميع من المواطن في غزة الصمود، يكتوي بنيران الانقسام.  

وأشار عوكل، خلال مداخلة عبر الهاتف خلال البرنامج،  إلى أن الجماهير في قطاع غزة فقدت الثقة بالحكومات السابقة على مدار 12 عاماً، بعد الفشل بإنهاء حالة الانقسام.

وأضاف أن تشكيل الحكومة ليس موضع اهتمام بالنسبة للجمهور في القطاع، الذي يغرق في معاناته اليومية. 

وتساءل عوكل أثناء مداخلته "لماذا تشكيل حكومة جديدة في ظل الأزمة والمرحلة الخطرة التي تمر بها القضية الفلسطينية الآن؟ وهل إشراك الفصائل في الحكومة سيقدم أداءً مختلفاً عن حكومة تكنوقراط؟"

ووصف تصريحات د.محمد اشتيه حول حكومته بأنها "للكل الفلسطيني"، بالجيدة، بالرغم من كونها ليست حكومة للكل الوطني من حيث مشاركة الفصائل.

واستدرك بالقول "لكننا ننتظر أن تكون حكومة للكل الفلسطيني من حيث المسؤولية وتقديم الخدمات العادلة والمتساوية لكل المواطنين".

 

لا حلول إلا بالعودة إلى المصالحة

 

وفي تعقيبه على مشاركة الفصائل وتصريحات حركة حماس، قال عوكل "لا شيء جديد يدعو إلى قدر آخر من التشاؤم، فحكومة الوحدة الوطنية التي تطالب بها الفصائل هي حكومة انتقالية، إلى حين إجراء انتخابات تشريعية، ونحن أمام حكومة تقول إنها حكومة الكل، ولكن هذا ليس دقيقاً بما يكفي، فحكومة الوحدة الوطنية بحاجة إلى مشاركة أوسع من الفصائل" .

وأكد عوكل أن حالة الانقسام موجودة ويتم تكريسها يومياً وهي تنتج كل يوم ممارسات أحادية الجانب، وأرى أنه لا حلول إلا بالعودة إلى المصالحة، بخاصة في ظل ما يلوح بالأفق بما يتعلق بصفقة القرن.

 

المصالحة الداخلية والانفكاك عن الاحتلال مسألة سياسية

 

وفيما يتعلق بقراءته لتصريحات اشتيه حول الانفكاك الاقتصادي عن الاحتلال الإسرائيلي، وتحديد العلاقة معه، قال إن هذه المسألة عند المستوى السياسي وليست عند حكومة اشتيه، وأن القرارات من هذا النوع شأن المؤسسة السياسية الفلسطينية.

وأضاف أن الأولوية لا يجب أن تذهب باتجاه الانفكاك الاقتصادي وتغيير العملة، بل باتجاه الخطوات السياسية التي تؤسس لخطوات اقتصادية.

واعتبر عوكل ملف المصالحة ملفاً سياسياً من الطراز الاول، كون المستوى السياسي والفصائل هي من يتخذ سياسات وإجراءات ومواقف، ينتج عنها إنهاء لحالة الانقسام، بينما الحكومة ليست مسؤولة عن إنجاز ملف المصالحة، مشيراً إلى حكومة الوفاق الوطني السابقة التي وضعت ملف المصالحة على رأس عملها طيلة سنوات عملها الست الماضية، ولم تنجح بتحقيقه ولا يستطيع أحد أن يحاسبها على فشلها لأن إنجاز الملف ليس من مسؤولياتها على حد وصفه وتعبيره، وإنما هو مسؤولية المؤسسة السياسية الفلسطينية. 

 

تحذير من ضغوطات جديدة على حماس

 

وفي نهاية مداخلته، أضاف عوكل أن التصريحات الصادرة عن اشتية ستأتي بشيء إيجابي، ولكن تعودنا أن لا نقف عند التصريحات، وننتظر ما يمكن أن يضفي مصداقية على حكومة الكل الفلسطيني، وذلك بتقديم خدمات عادلة ومتساوية للجمهور الفلسطيني في كل من الضفة وغزة. 

لكنه حذر من أنه في حال اتجهت حكومة اشتية إلى إجراءات جديدة للضغط على حماس، سنكون أمام حكومة تخلف حكومة سبقتها بذات العقلية.

تصميم وتطوير