"أمان" وضعت هذه القضية على طاولة نقاش مفتوح بين ديوان الرقابة ومجلس القضاء الأعلى

استقلال القضاء أم خضوعه لديوان الرقابة.. من يتفوق على من؟

29.05.2019 03:50 PM

وطن- وفاء عاروري: في الثالث عشر من شهر أيار الجاري، سحب ديوان الرقابة المالية والإدارية طواقمه من مجلس القضاء الاعلى، وقد كان مكلفا بموجب مرسوم صادر عن الرئيس محمود عباس بالتدقيق على السلطة القضائية، معلنا وجود معيقات من مجلس القضاء في تنفيذ التدقيق.

القضية التي أثارت ضجة في الرأي العام الفلسطيني آنذاك، دفعت مجلس القضاء الأعلى للتوجه إلى المحكمة الدستورية من أجل الفصل في أحقية ديوان الرقابة الاطلاع على عدد من الملفات الخاصة بالمجلس أم لا، كملف "التفتيش القضائي"، والشكاوي والتنبيهات على القضاة والدوائر وغيرها من الملفات الحساسة، والتي يعتبر المجلس أي رقابة عليها هو مساس باستقلالية القضاء.

الائتلاف من أجل النزاهة والمسائلة "أمان" وضع هذه القضية على طاولة نقاش مفتوحة بين الديوان والمجلس على حد سواء، من أجل الاستماع إلى وجهات النظر، في جلسة حوارية حضرها عدد من مؤسسات المجتمع المدني، ونقلتها وسائل الإعلام إلى الجمهور.

من جهته قال المستشار القانوني لائتلاف أمان، بلال البرغوثي، خلال لقائه مع وطن إن هناك اعتبارين أساسيين انطلق منهما "أمان" في الدعوة لهذه الجلسة، الاعتبار الأول هو الحق في الوصول إلى المعلومة من مصادرها الرئيسية منعا للشائعات، ووصولا الى المعلومات الدقيقة، والاعتبار الثاني هو الموازنة بين مفهوم إصلاح القضاء وحمايته.

وتابع البرغوثي: الاعتبار الثاني يأتي ضمن اعتبارات الرقابة الخارجية وعدم مساسها باستقلال السلطة القضائية أو الاستقلال المالي والإداري، والتأكيد على عملية الإصلاح وحماية القضاء الفلسطيني التي أصبحت اليوم مطلبا عاما سواء في الأطر الرسمية أو الشعبية.

وأكد البرغوثي أنه خلال الجلسة كان هناك توافق من الجميع إلى حد ما، سواء من ذوي العلاقة أو الاختصاص، أن هناك حاجة إلى تفعيل الرقابة والمساءلة على السلطة القضائية، بما لا يمس باستقلالها.

من جهته قال مدير عام ديوان الرقابة المالية والإدارية جفال جفال، لـوطن، متحدثا حول تفاصيل الإشكالية التي وقعت بينهم وبين مجلس القضاء: "نحن باشرنا عملية التدقيق في مجلس القضاء بطلب من الرئيس وليس من تلقاء أنفسنا وهذا صحيح، ولكن المعايير الدولية التي نحتكم إليها وقانون الديوان الفلسطيني نفسه، تجيز للديوان أن يباشر التدقيق بناء على طلب من أي جهة كانت".

وأوضح جفال أن عملية التدقيق لا تتم إلا بالتوافق والتعاون مع المؤسسة التي ينوي الديوان التدقيق فيها، فالعملية ليست "جبرية"، ولكن إذا وافقت المؤسسة على التدقيق فلا يحق لها تحديد نطاق التدقيق وآلياته وإجراءاته وغير ذلك من أمور... وذلك حفاظا على حيادية واستقلالية التدقيق.

وأكد جفال لـوطن، أنه إذا ما وقع المساس بنطاق التدقيق وهذا ما حدث في مجلس القضاء الأعلى، يحق للديوان الامتناع عن العملية من تلقاء نفسه، وهو ما حدث.

وأشار جفال إلى أن التدقيق على مجلس القضاء الأعلى كان من المفترض أن يشمل التفتيش القضائي والشكاوي على القضاة وعلى الدوائر والقضايا والأعمال القضائية وهو ما رفض المجلس السماح به.

وأكد جفال أن الديوان وضع الرئيس في صورة أولية حول ما توصل إليه من أعمال من خلال الوثائق التي تسلمها، مضيفاً: ومسألة النظر في هذه الرؤيا تعود للمستوى السياسي للإقرار بشأنه.

وفي ذات السياق، أبدى جفال استغرابه إزاء لجوء المجلس الأعلى للقضاء إلى المحكمة الدستورية للنظر في أكثر من طعن وتفسير حول ديوان الرقابة، رغم أن الأمر واضح وليس بحاجة إلى النظر فيه، حيث أن اختصاصات الديوان اكتسبها عبر سنوات من العمل، وقانون الديوان صدر عن المجلس التشريعي عام 2004 والتعديل عليه تم بعد انتساب الديوان لمنظمة عالمية للتدقيق.

من جهته قال أمين عام مجلس القضاء الأعلى، القاضي أسعد الشنار، عبر وطن إنه وعلى مدار سنوات من العمل كان هناك تعاون كبير بين الديوان والمجلس، أما الاشكالية الحديثة فقد كانت في مدى تفسير المرسوم الصادر عن الرئيس محمود عباس، والذي أشار صراحة إلى نصوص مواد تتعلق بالجانب المالي والإداري ومواد قانونية، وكذلك الحال فيما يتعلق بالنطاق الذي يشمله التدقيق.

وأوضح الشنار أن مجلس القضاء الأعلى يرى وفق قانون السلطة القضائية ومبادئ استقلال القضاء، أن هذا الأمر يمس باستقلال القضاء بالتالي هناك أطر للتعامل مع أي شكاوي واردة، أما في ديوان الرقابة فيرون أن هناك ما يتيح لهم رفع السرية عن كافة هذه الأوراق، وهذا ما دفعنا الى إحالة الأمر للمحكمة الدستورية من أجل الفصل فيه.

من جهته قال مدير المركز الفلسطيني لاستقلال المحاماة والقضاء "مساواة" إبراهيم البرغوثي، خلال لقائه مع وطن: "نحن نعتقد أن الأزمة ليست أزمة علاقة بين الديوان ومجلس القضاء الأعلى، وإنما الأزمة أعمق بكثير، وهي أزمة استحالة إصلاح جدي وحقيقي لمؤسسات نظام قائمة على النظام الفردي والنظام الشمولي، ما لم تتوفر إرادة سياسية حقيقية جدية، بالشروع بحوار مجتمعي يمكنه تقييم آداء مختلف السلطات بما فيها السلطة القضائية".

وأكد البرغوثي، أنه في الوضع الطبيعي لا يوجد أي داع لصدور مرسوم رئاسي أو قرار رئاسي أو طلب رئاسي أو قرار بقانون لديوان الرقابة المالية والإدارية من أجل ممارسة مثل هذه المهمة، في حال أن الديوان كان مشكّلاً وفقا لصحيح القانون ووفقا للمبادئ الدستورية ووفقا للتعبير عن إرادة مجتمعية مستقلة، مضيفا: "وهو يستطيع أن يباشر صلاحياته في الرقابة دون حاجة لذلك".

وأوضح البرغوثي أنه ليس هناك من مبرر للخلط المتعمد في الصلاحيات بين ما هو عمل قضائي وما هو عمل سلطة قضاء، فسلطة القضاء "كمؤسسة" يجب أن تكون موضع مراقبة ويجب أن تمكن الديوان من الرقابة على أدائها، أما العمل القضائي، وهو ما يقوم به القاضي من تقرير بشأن المنازعة المعروضة أمامه، فهذا لا يخضع لأي نوع من الرقابة وهو مطلق الصلاحية للقاضي وفقا للضمير وللقانون.

وينتظر كلاهما (الديوان والمجلس)، المحكمة الدستورية للفصل فيما إذا كان يحق للديوان الاطلاع على الملفات التي وقعت على إثرها الإشكالية أم لا، من أجل اتخاذ القرارات بناء على ذلك.
وكانت وطن قد أعدت تقريرا سابقا حول هذه القضية، للاطلاع عليه يرجى الضغط هنا.
 

تصميم وتطوير